الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوۤاْ آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ أُوْلَـٰئِكَ حِزْبُ ٱللَّهِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ }

قلت: { تجد } إما متعدٍّ إلى اثنين، و " يوادون " الثاني، أو إلى واحد، بمعنى: تصادف. و " يوادون ": حال من " قوم " ، لتخصيصه بالصفة، أو صفة ثانية. يقول الحق جلّ جلاله: { لا تجدُ } أيها الرسول، أو: كل مَن يسمع { قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ } أي: خالفه { ورسولَه } أي: عاده، أي: لا تجد قوماً مؤمنين يُوالون المشركين، أي: لا ينبغي أن يكون ذلك، وحقه أن يمتنع ولا يوجد بحال، مبالغة في الزجر عن موالاة أعداء الله، والاحتراز عن مخالطتهم ومعاشرتهم، وزاد ذلك الأمر تأكيداً وتشديداً بقوله: { ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إِخوانَهم أو عشيرتَهم } أي: لو كان مَن حادّ الله ورسلَه مِن أقرب الناس إليه، فإنَّ قضية الإيمان بالله تعالى أن يهجر كُلَّ مَن حادَ عنه بالمرة، وهذه حال أهل الصدق في الإيمان، ولذلك كان الصحابة رضي الله عنهم يُقاتلون آباءهم وأبناءهم وإخوانهم، فقد قَتَلَ أبو عبيدة بنُ الجراح أباه، وأتى برأسه للنبي صلى الله عليه وسلم، طاعةً لله ورسوله، وقال سعدُ بن أبي وقاص: " كنتُ جاهداً على قتل أخي عُتبة، يوم بدر ". وفيهم نزلت الآية. والجمع باعتبار معنى " مَن " كما أنّ الإفراد فيما قبله باعتبار لفظها. { أولئك } الموصوفون بما ذكر، وما فيه من معنى البُعد لرفع درجتهم في الفضل، وهو مبتدأ خبره: { كَتَبَ في قلوبهم الإِيمان } أي: أثبته فيها، وفيه دلالة على خروج الأعمال مِن مفهوم الإيمان، فإنَّ جزء الثابت في القلب ثابت، فيه، ولا شيء من أعمال الجوارح يثبتُ فيه. { وأيَّدهم } أي: قوَّاهم { برُوحٍ منه } أي: من عنده تعالى، وهو نور اليقين، أو: القرآن، أو: النصر على العدو، ويجوز أن يكون الضمير للإيمان، أي: بروح من الإيمان، على أنه في نفسه روح لحياة القلوب به. وعن الثوريِّ: أنهم كانوا يَرَوْنَ أنها نزلت فيمن يصحب السلطان، أي: ويُداهنه ولا ينصحه. وقال سهل: مَن صحّح إيمانه، وأخلص توحيده، لا يأنس بمبتدِع، ولا يُجالسه، ويظهر له من نفسه العداوة، ومَن داهن مبتدِعاً سلبه الله حلاوةَ السنن، ومَن أجابه لطلب عزِّ الدنيا، أو عَرضها، أذلَه الله بذلك العزّ، وأفقره بذلك الغنى، ومَن ضحك إلى مبتدع نزع الله نورَ الإيمان من قلبه، ومَن لم يصدّق فليجرب. هـ من النسفي. ثم بيّن ما يتحفهم به في الآخرة، بعد بيان ما أكرمهم به في الدنيا، بقوله: { ويُدخلهم جناتٍ تجري مِن تحتها الإنهارُ خالدينَ فيها } أبد الآبدين، { رضي اللهُ عنهم } لتوحيدهم الخالص وطاعتهم، { ورَضُوا عنه } لثوابه الجسيم في الآخرة، وبما قضى بهم في الدنيا، وهو بيان لابتهاجهم بما أوتوه عاجلاً وآجلاً.

السابقالتالي
2 3