الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُحْيِـي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { هُوَ ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ وَٱلظَّاهِرُ وَٱلْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } * { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { لَّهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرْجَعُ ٱلأُمُورُ } * { يُولِجُ ٱلْلَّيْلَ فِي ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِي ٱلْلَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ }

{ هو الذي خلق السماوات والأرضَ في ستة أيام } من أيام الدنيا، ولو أراد أن يخلقها في طرفة عين لفعل، ولكن جعل الست أصلاً ليكون عليها المدار، وتعليماً للتأني، { ثم استوى } أي: استولى { على العرش } حتى صار العرش وما احتوى عليه غيباً في عظمة أسرار ذاته، { يعلم ما يَلِجُ في الأرض } ما يدخل فيها، من البذر، والقطر، والكنوز، والأمطار، { وما يعرجُ فيها } من الملائكة والأموات والأعمال، { وهو معكم أينما كنتم } بالعلم والقدرة والإحاطة الذاتية، وما ادعاه ابنُ عطية من الإجماع أنه بالعلم، فإن كان مراده من أهل الظاهر فمسلّم، وأمّا أهل الباطن فمجمِعون على خلافه، انظر الإشارة. { والله بما تعملون بصير } فيُجازي كلاًّ بعمله. { له مُلك السماوات والأرضِ } تكرير للتأكيد، وتمهيد لقوله: { وإِلى الله تُرجع الأمورُ } أي: إليه وحده لا إلى غيره استقلالاً واشتراكاً ترجع جميع الأمور، { يُولج الليلَ في النهار } يُدخل الليل في النهار، بأن ينقص من الليل ويزيد في النهار، { ويُولج النهارَ في الليل } بأن ينقص من النهار ويزيد الليل، { وهو عليم بذات الصدور } أي: بمكنونها اللازمة لها من الهواجس والخواطر، بيان لإحاطة علمه تعالى بما يضمرونه من نياتهم وخواطرهم، بعد بيان إحاطته بأعمالهم التي يظهرونها على جوارحهم، أو بحقائق الصدور من صلاحها وفسادها، كَنّى بها عن القلوب. والله تعالى أعلم. الإشارة: التسبيح مأخوذ من السبْح، وهو العوم، فأفكار العارفين تعوم في قلزوم بحر الذات وتيار الصفات، وترجع إلى ساحل البر لتقوم بوظائف العبودية والعبادات، وقد سبَح في بحر الذات وغرق فيه أهلُ السموات والأرض، شعروا أم لم يشعروا، بل كل الكائنات غريقة في بحر الذات، ممحوة بأحديتها. قال القشيري: تنزيهاً لله تعالى من حيث الاسم الجامع لجميع الأسماء والصفات الجلالية والجمالية ما في السموات الذات من الأسماء الذاتية، المتجلية في المظاهر الكلية، وما في أرض الصفات من الأسماء الصفاتية، المتجلية في المظاهر الجزئية. اعلم أن فَلَك الذات سماء الصفات، وفلك الصفات أرض الذات، وكذلك فلك الصفات سماء الأسماء، وفلك الأسماء أرض الصفات، وهذه السموات والأرضون كلها مظاهر اسم الله الأعظم، وهو المسبَّح - بالفتح - في مقام التفصيل، والمسبِّح - بالكسر - في مقام الجمع، كما ذكرنا. هـ. قلت: ومعنى قوله: " فلك الذات سماء الصفات "... الخ، أنَّ أسرار الذات اللطيفة الأصلية سقف لأنوار الصفات، المتجلّي بها، وأنوار الصفات، أرض لتلك الأسرار، وكذلك أنوار الصفات سقف لأرض الأسماء، والأسماء أرض لسماء الصفات، وبقي عليه أن يقول: وفلك الأسماء سماء للأثر، والأثر أرض لسماء الأسماء، فكل مقام سماء لما تحته، وأرض لما فوقه، فالأثار أرض لسماء الأسماء، والأسماء أرض للصفات، والصفات أرض للذات، دلّ بوجود آثاره على وجود أسمائه، وبوجود أسمائه على وجود صفاته، وبوجود صفاته على وجود ذاته، وهذا مقام الترقي، ومقام التدلي بالعكس، انظر الحِكَم، وهو العزيز أن يُدرك كنه ربوبيته، الحكيم في اختفائه بعد ظهوره.

PreviousNext
1 3 4