الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ مَآ أَصْحَابُ ٱلشِّمَالِ } * { فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ } * { وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ } * { لاَّ بَارِدٍ وَلاَ كَرِيمٍ } * { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ } * { وَكَانُواْ يُصِرُّونَ عَلَى ٱلْحِنثِ ٱلْعَظِيمِ } * { وَكَانُواْ يِقُولُونَ أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ } * { أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلأَوَّلِينَ وَٱلآخِرِينَ } * { لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } * { ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا ٱلضِّآلُّونَ ٱلْمُكَذِّبُونَ } * { لأَكِلُونَ مِن شَجَرٍ مِّن زَقُّومٍ } * { فَمَالِئُونَ مِنْهَا ٱلْبُطُونَ } * { فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْحَمِيمِ } * { فَشَارِبُونَ شُرْبَ ٱلْهِيمِ } * { هَـٰذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ ٱلدِّينِ } * { نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلاَ تُصَدِّقُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وأصحابُ الشمال ما أصحابُ الشمال } تفظيع لشأنهم، والشمال والمشأمة واحد. { في سَمُوم } في حرّ نار تنفذ في المسامّ، { وحميم } وماء حارّ، تناهي في الحرارة، { وظِلٍّ من يَحْمُوم } من دخان أسود بهيم، { لا باردٍ } كسائر الظلال، { ولا كريم } فيه خير مّا في الجملة، سمّاه ظلاًّ، ثم نفى عنه برد الظل ورَوْحَه ونفعَه لمَن يأوي إليه من أذى الحر، وذلك كرمه - ليمحي عنه ما في مدلول الظل من الاسترواح إليه، والمعنى: أنه ظلٌّ حار ضارّ. { إِنهم كانوا قبل ذلك } أي: في الدنيا { مُتْرَفِينَ } منعّمين بأنواع النِعَم، من المآكل والمشارب، والمساكن الطيبة، والمقامات الكريمة، منهمكين في الشهوات، فمَنَعَهم ذلك من الانزجار، وشَغَلَهم عن الاعتبار. وهو تعليل لابتلائهم بما ذكر من العذاب، { وكانوا يُصِرُّون } يُداومون { على الحِنْثِ العظيم } أي: على الذنب العظيم، وهو الشرك لأنه نقض عهد الميثاق، وخروج عن طاعة الملك إلى نصر غيره. والحنث: نقض العهد الموثّق باليمين، أو: الكفر بالبعث، لقوله:وَأَقْسَمُواْ بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللَّهُ مَن يَمُوتُ } [النحل: 38]، ثم صار يُطلق على مطلق الذنب، ومنه: بلغ الغلامُ الحنث، أي: وقت الحلم ووقت المؤاخذة بالذنب. { وكانوا يقولون } لغاية عتوهم: { أئِذا مِتْنَا وكنا تراباً وعظاماً } أي: إذا صارت أجزاؤنا من الجلد والعظم واللحم، بعضها تراباً، وبعضها عظاماً نخرة، نُبعث بعد ذلك؟ وتقديم التراب لعراقته في الاستبعاد وانقلابها حيواناً. والعامل في " إذا " ما دلّ عليه قوله: { أئنا لمبعوثون } أي: أنْبعث إذا صرنا في هذه الحالة؟ ولا يعمل فيه لفظه لأنّ " إنّ " والاستفهام لا يعمل ما بعدها فيما قبلهما، { أَوَ آباؤنا الأولون } يُبعثون أيضاً؟ دخلت همزة الاستفهام على حرف العطف، وحسن العطف على المضمر في { لمبعوثون } من غير توكيدٍ بـ " نحن " للفاصل الذي هو الهمزة، يعنون بذلك: أن بعث آبائهم أبعد في الوقوع من بعثهم. وقرئ في السبع بأو العاطفة. ثم ردّ عليهم بقوله: { قل إِنّ الأولين والآخِرين } أي: إنّ الأولين من الأمم المتقدمين، الذين من جملتهم آباؤكم، والآخرين، الذين من جملتهم أنتم. وفي تقديم " الأولين " مبالغة في الرد، حيث كان إنكارهم لبعث آبائهم أشد مع مراعاة الترتيب، { لمجموعون } بالبعث { إِلى ميقاتٍ يومٍ معلوم } أي: إلى ما وقتت به الدنيا باعتبار فنائها من يوم معلوم، وهو يوم البعث والحساب، والإضافة بمعنى " من " كخاتم فضة. { ثم إِنكم أيها الضالون } عن الهدى { المكذِّبون } بالبعث، والخطاب لأهل مكة وأضرابهم، { لآكلون } بعد البعث والجمع ودخول جهنم { مِن شجرٍ مِن زقوم } " مِن " الأولى: لابتداء الغاية، والثانية: لبيان الشجر. { فمالئُون منها البطونَ } أي: بطونكم من شدة الجوع، { فشاربون عليه } عقب ذلك بلا ريث { من الحميم } الماء الحار.

السابقالتالي
2