الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِٱلنُّذُرِ } * { فَقَالُوۤاْ أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّآ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ وَسُعُرٍ } * { أَءُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ } * { سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ ٱلْكَذَّابُ ٱلأَشِرُ } * { إِنَّا مُرْسِلُواْ ٱلنَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَٱرْتَقِبْهُمْ وَٱصْطَبِرْ } * { وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ ٱلْمَآءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ } * { فَنَادَوْاْ صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُواْ كَهَشِيمِ ٱلْمُحْتَظِرِ } * { وَلَقَد يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { كذبت ثمودُ بالنُذُر } بصالح عليه السلام لأنَّ مَن كذّب واحداً فقد كذّب الجميع لاتفاقهم في الشرائع، أو: كذّبوا بالإنذارات والمواعظ التي يسمعونها من صالح، { فقالوا أَبَشراً منا } أي: كائناً من جنسنا، وانتصابه بفعل يُفسره " نتبعه " أي: أنتبع بشراً منا { واحداً } منفرداً لا تباعة له؟ أو: واحداً من الناس لا شرف له { نَتبه } وندع ديننا؟ { إِنَّا إِذاً } أي: على تقدير اتباعنا له، وهو مفرد ونحن أمة جمة { لفي ضلالٍ } عن الصواب { وسُعُرٍ } نيران تحرق، جمع " سعير ". كان صالح يقول فعكسوا عليه، لغاية عتوهم، وقالوا: إن اتبعناك كنا كنا تقول. وقيل: المراد بالسعر: الجنون، لأنها تشوه صاحبها، أنكروا أن يكون الرسول بشراً، وطلبوا أن يكون من الملائكة، وأنكروا أن تتبع أمةٌ واحداً، أو: رجلاً لا شرف له في زعمهم، حيث لم يتعاط معهم أسباب الدنيا. ويؤيد التأويل الثاني قوله: { أأُلقيَ الذِكْرُ } أي: الوحي { عليه مِن بيننا } وفينا مَن هو أحق منه بالاختيار للنبوة؟ { بل هو كذّاب أشِرٌ } أي: بطر متكبر، حَمَلَه بطرُه وطلبُه التعظيم علينا على ادعائه ذلك. قال تعالى: { سيعلمون غداً } أي: عن قريب، وهو عند نزول العذاب بهم، أو يوم القيامة، { مَن الكذّابُ الأشِرُ } أصالح أم مَن كذّبه؟ وقرأ الشامي وحمزة بتاء الخطاب، على حكاية ما قاله صالح مجيباً لهم. { إِنا مرسلوا الناقةِ } باعثوها ومخرجوها من الهضبة كما سألوا، { فتنةً لهم } ابتلاءً وامتحاناً لهم، مفعول له، أو: حال، { فارتقبهم } فانتظرهم وتبصّر ما هم صانعون { واصْطَبر } على أذاهم، ولا تعجل حتى ياتيك أمري. { ونَبِّئهم أنَّ الماءَ قِسْمةٌ بينهم } مقسوم بينهم، لها شِرْب يوم، ولهم شِرْب يوم، وقال: " بينهم " تغليباً للعقلاء. { كُل شِرْبِ مُحتَضَرٌ } محضور، يحضر القوم الشرب يوماً، وتحضر الناقة يوماً، { فنادَوا صَاحِبَهم } قُدَار بن سالف، حُمير ثمود، { فتعاطَى } فاجترأ على تعاطي الأمر العظيم، غير مكترث به، { فعَقَرَ } الناقة، أو: فتعاطى الناقة فعقرها، أو: تعاطى السيف فقتلها، والتعاطي: تناول الشيء بتكلُّف. وقال أبو حيان: هو مضارع عاطا، وكأنّ هذه الفعلة تدافعها الناس بعضهم بعضاً، فتعاطاها قدار وتناول العقر بيده. { فكيف كان عذابي ونُذُر إِنَّا أرسلنا عليهم } في اليوم الرابع مِن عَقْرها، { صَيحةً واحدة } صاح بهم جبريل عليه السلام { فكانوا } فصاروا { كهشيمِ المحتظِر } كالشجر اليابس الذي يجده مَن يعمل الحظيرة، فالهشيم: الشجرة اليابس المتكسر، الذي يبس من طول الزمان، وتتوطّؤه البهائم فيتحطّم ويتهشّم، والمحتظر: الذي يعمل الحظيرة. قال ابن عباس: " هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة من الشجر والشوك، فما يسقط من ذلك ودرسته الغنم فهو هشيم " شبههم في تبدُّدهم، وتفرُّق أوصالهم، بالشوك الساقط على الأرض، { ولقد يَسَّرْنا القرآن للذكر فهل من مُدَّكِرٍ } فيتعظ بما يسمع من هذه القصص.

السابقالتالي
2