الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وَٱزْدُجِرَ } * { فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَٱنتَصِرْ } * { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } * { وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى ٱلمَآءُ عَلَىٰ أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ } * { وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ } * { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ } * { وَلَقَدْ تَّرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } * { فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } * { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { كذبت قبلهم } أي: قبل أهل مكة { قومُ نوح فكذَّبوا عبدنا } نوحاً عليه السلام. ومعنى تكرار التكذيب: أنهم كذَّبوا تكذيباً عقب تكذيب، كلما خلا منهم قرن مكذِّب، جاء عقبه قرن آخر مكذِّب مثله، وقيل: كذبت قوم نوح الرسل، { فكذَّبوا عبدنا } لأنه من جملتهم. وفي ذكره عليه السلام بعنوان العبودية مع إضافته لنون العظمة تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله، وزيادة تشينع لمكذِّبيه، { وقالوا مجنون } أي: لم يقتصروا على مجرد التكذيب، بل نسبوه للجنون، { وازْدُجِرْ } أي: زجر عن أداء الرسالة بالشتم، وهدّد بالقتل، أو: هو من جملة قولهم، أي: قالوا: هو مجنون وقد ازدجرته الجن، أي: تخبّطته وذهبت بلُبه. { فدعا ربَّه } حين أيس منهم { أني مغلوب } أي: بأني مغلوب من جهة قومي، بتسليطهم عليّ، فلم يسمعوني، واستحكم اليأس من إجابتهم. قال القشيري: مغلوب بالتسلُّط لا بالحجة، إذ الحجة كانت له. هـ. وهذا جار فيمن لم يستجب لك، تقول: غلبني. ثم دعى عليهم بقوله: { فانتصرْ } فانتقم منهم بعذاب تبعثه عليهم، وذلك بعد تحقُّق يأسه منهم وعظم إذايتهم. فقد رُوي أن الواحد منهم كان يلقاه فيضربه حتى يغشى عليه، فيقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون. { ففتحنا أبوابَ السماء بما منهمرٍ } منصب بكثرة وتتابع لم ينقطع أربعين يوماً، قال يمان: حتى طبق بين السماء والأرض، وقيل: كانوا يطلبون المطر سنين، فأُهلكوا بمطلوبهم. وفتح الأبواب كناية عن كثرة الأمطار، وشدة إنصابها، وقيل: كان في السماء يومئذ أبواب حقيقة. { وفجَّرنا الأرض عيوناً } وجلعنا الأرض كلها كأنها عيون تتفجر، وهو أبلغ من قولك: وفجرنا عيون الأرض، ومثله:وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً } [مريم: 4] في إفادة العموم والشمول، { فالتقى الماءُ } أي: مياه السماء ومياه الأرض، وقرئ: " الماءان " ، أي: النوعان من الماء السمائي والأرضي. { على أمر قد قُدِر } أي: قُضي في أم الكتاب، وهو هلاك قوم نوح بالطوفان، أو: قدر أنّ الماءين يكون مقدارهما واحداً من غير تفاوت. قيل: كان ماء السماء بارداً كالثلج، وماء الأرض مثل الحميم، ويقال: إنّ الماء الذي نبع من الأرض نضب، والذي نزل من السماء بَقِيَ حارّاً. { وحملناه على ذات ألواح } أي: أخشاب عريضة، والمراد: السفينة، وهي من الصفات التي تقوم مقام موصوفها كالشرح له، وهو من فصيح الكلام ومن بديعه، { ودُسُرٍ } ومسامير، جمع: دسار، وهو المسمار، فِعال مِن: دسره: إذا دفعه لأنه يدسَر به مَنفذه. { تجري بأعيننا } أي بمرأىً منا، أو: بحفظنا، وهو حال من فاعل " تجري " ، أي: تجري محفوظة { جزاءً } مفعول له، أي: فعلنا ذلك جزاءً { لمن كان كُفِرَ } وهو نوح عليه السلام، وجعله مكفوراً لأن النبي نعمة من الله ورحمة، فكان نوح نعمة مكفورة.

السابقالتالي
2 3