الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ } * { مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ } * { وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَىٰ } * { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } * { ذُو مِرَّةٍ فَٱسْتَوَىٰ } * { وَهُوَ بِٱلأُفُقِ ٱلأَعْلَىٰ } * { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ } * { فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ } * { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَآ أَوْحَىٰ } * { مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ } * { أَفَتُمَارُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ } * { وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ } * { عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ } * { عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ } * { إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسِّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ } * { مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ } * { لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ ٱلْكُبْرَىٰ }

يقول الحق جلّ جلاله: { والنجم } أي: الثريا، أو: جنس النجم { إِذا هَوَى } إذا غرب، أو: انتثر يوم القيامة، أو طلع، يقال: هَوَى هَوِياً، بوزن " قَيول " إذا غرب، وهَوى هُوياً، بوزن دُخول: إذا طلع. والعامل في { إذا } فعل القسم، أي: أقسم بالنجم وقت غروبه أو طلوعه. وجواب القسم: { ما ضلَّ } عن قصد الحق { صاحِبكُم } أي: محمد صلى الله عليه وسلم، والخطاب لقريش. { وما غَوَى } في اتباع الباطل، أو: ما اعتقد باطلاً قط، أي: هو في غاية الهدى والرشد، وليس مما تتوهموه من الضلالة والغواية في شيء. فالضلال، نقيض الهدى، والغي نقيض الرشد، ومرجعهما لشيء واحد، وهو عدم اتباع طريق الحق. وقال الفخر: أكثر المفسرين لم يُفرقوا بين الغي والضلال، والفرق بينهما: أنَّ الغي في مقابلة الرشد، والضلال أعم منه، والاسم من الغي: الغَواية - بالفتح - والحاصل: أنّ الغي أقبح من الضلال، إذ لا يرجى فلاحه. وإيراده صلى الله عليه وسلم بعنوان صاحبهم للإيذان بوقوفهم على تفاصيل أحواله الشريفة، وإحاطتهم خُبراً ببراءته - عليه الصلاة والسلام - مما نفى عنه بالكلية، وباتصافه - عليه الصلاة والسلام - بغاية الهدى والرشد فإنَّ كون صحبتهم له صلى الله عليه وسلم، ومشاهدتهم لمحاسن شؤونه العظيمة مقتضية لذلك حتماً. وتقييد القسم بوقت الهُوى لأن النجم لا يهتدي به الساري إلا عند هبوطه أو صعوده، وأما ما دام في وسط السماء فلا يهتدي به، ولا يعرف المشرق من المغرب، ولا الشمال من الجَنوب. ثم قال: { وما ينطق عن الهوى } أي: وما يصدر نطقه بالقرآن أو غيره عن هواه ورأيه أصلاً، { إنْ هو إِلا وحيٌ } من الله تعالى { يُوحَى } إليه، وهي صفة مؤكدة لوَحْي، لرفع المجاز، مفيدة لاستمرار التجدُّد للوحي، واحتج بهذه الآية مَن لا يرى الاجتهاد للأنبياء - عليه السلام - ويُجاب بأن الله تعالى إذا سوّغ لهم الاجتهاد وقررهم عليه كان كالوحي، لا نُطقاً عن الهوى. { علَّمه شديدُ القوى } أي: مَلكٌ شديد قواه، وهو جبريل عليه السلام: فإنه الواسطة في إيراد الوحي إلى الأنبياء، ومَن قوته أنه خلع قُرى قوم لوط من الماء الأسود الذي تحت الثرى، وحملها على جناحه، ورفعاه إلى السماء ثم قلبها، وصاح صيحةً بثمود، فأصبحوا جاثمين، وكان هبوطه على الأنبياء وصعوده أسرع من لحظة. { ذو مِرَّةٍ } أي: ذو خصابة في عقله، ورزانة ومتانة في دينه. وأصل المِرة: الشدّة، من مراير الحبل، وهو فتله فتلاً شديداً، أو: ذو حُسن في منظره، { فاستوى }: عطفٌ على " علَّمه " بطريق التفسير، فإنه إلى قوله: { ما أوحى } بيان لكيفية التعليم، أو: فاستقام على صورته التي خلقه الله عليها، دون الصورة التي كان يتمثّل بها كلما هبط بالوحي، وذلك أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبّ أن يراه في الصورة التي خلقه اللّهُ عليها، وكان صلى الله عليه وسلم بحراء، فطلع له جبريلُ من المشرق، وسدّ الأرض من المغرب، وملأ الأفق، فخرَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، فنزل في صورة الأدمي، فضمّه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه.

السابقالتالي
2 3 4 5