الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } * { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } * { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } * { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ }

يقول الحق جلّ جلاله: { أفرأيتم اللاتَ والعُزّى ومناةَ الثالثةَ الأخرى } أي: أخبروني عن هذه الأشياء التي تبعدونها من دون الله، هل لها من القدرة والعظمة التي وُصف بها رَبُّ العزة في الآي السابقة حتى استحقت العبادة، أم لا؟ واللات وما بعدها: أصنام كانت لهم، فاللات كانت لثقيف بالطائف، وقيل: كانت بنخلة تعبدها قريش، وهي فَعْلَةٌ، من: لوى لأنهم كانوا يلوون عليها ويطوفون بها. وقرأ ابن عباس ومجاهد ورُويس بتشديد التاء، على أنه اسم فاعل، اشتهر برجلاً كان يُلتُّ السَّوِيق بالزيت، ويُطعمه الحاجَ، فلما مات عكفواعلى قبره يبعدونه. { والعُزى } كانت لغفطان، وهي شجرة كانوا يعبدونها، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد فقطعها، فخرجت منها شياطنة ناشرة شعرها، واضعة يدها على رأسها، وهي تُولول، فجعل خالد يضربها بالسيف حتى قتلها، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " تلك العُزى، لن تُعبد بعد اليوم أبداً ". { ومناة }: صخرة على ساحل البحر لهذيل وخزاعة، وقيل: بيت بالمشلّل يعبدوه بنو كعب، وسميت مناة لأن دماء النسائك تُمنى، أي: تُراق عندها لأنهم كانوا يذبحون عندها. وقرأ بان كثير بالهمزة بعد الألف، مشتق من النوء لأنهم كانوا يستمطرون بالأنواء عندها، تبرُّكاً بها، وقيل: سَموا هذه الأصنام بأسماء الله، وأَنَّثوها، كأنها بنات الله في زعمهم الفاسد، فاللات من " الله " ، كما قالوا: عمر وعمرة، وعباس وعباسة، فالتاء للتأنيث. والعُزَّى: تأنيث العزيز، ومناة: تأنيث منان، فغُيّر تخفيفاً، ويؤيد هذا قولُه تعالى ردّاً عيهم: { ألكم الذكُر وله الأنثى }. و { الأخرى }: صفة ذمّ لها، وهي المتأخرة الوضيعة القدر، كقوله:قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لأُولاَهُمْ } [الأعراف: 38] أي: وضعاؤهم لرؤسائهم، وقيل: وصفها بالوصفين لأنهم كانوا يُعظِّمونها أكثر من اللات والعزى، والفاء في قوله: { أفرأيتم } للعطف على محذوف، وهي لترتيب ما بعدها على ما قبلها، أي: عَقِب ما سمعتم من كمال عظمته تعالى في ملكه وملكوته، وأحكام قدرته، ونفوذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى وما بينهما، رأيتم هذه الأصنام مع حقارتها بنات الله، مع وأدكم البنات، وكراهتكم لهنَّ؟. { ألكمُ الذكرُ وله الأنثى } أي: أتُحبون لكم الذكر وتنسبون له الأنثى كهذه الأصنام والملائكة؟ { تلك إِذاً قسمةٌ ضِيزَى } أي: جائرة، من: ضازه يضيزه: إذا ظلمه، وصرّح في القاموس بأنه مثلث الضاد ضيزى وضوزى وضازى، وهو هنا فُعلى بالضم، من الضيز، لكنه كسر فاؤه لتسلم الياء، كما فعل في " بيض " ، فإن " فِعلى " بالكسر لم تأت وصفاً، وإنما هي من بناء الأسماء، كالشّعرى والدفلى. وقال ابن هشام: فإن كانت فُعلى صفة محضة وجب قلب الضمة كسرة، ولم يُسمع من ذلك إلا " قسمة ضيزى " " ومشية حِيكى " ،أي: يتحرك فيها المنكبان.

السابقالتالي
2 3