الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ } * { فَاكِهِينَ بِمَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيئَاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَآ أَلَتْنَاهُمْ مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ ٱمْرِىءٍ بِمَا كَسَبَ رَهَينٌ } * { وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } * { يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لاَّ لَغْوٌ فِيهَا وَلاَ تَأْثِيمٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّ المتقين } الشرك والمعاصي { في جناتٍ } عظيمة { ونعيمٍ } أيّ نعيم، فالتنكير للتفخيم، أو: للتنوع، أي: جناتٍ مخصوصة بهم، ونعيمٍ مخصوص، { فاكهين } ناعمين متلذذين { بما آتاهم ربُّهم } بما أتحفهم، { ووقاهم رَبُّهم عذابَ الجحيم } عطف على " آتاهم " على أن " ما " مصدرية، أي: فاكهين بإتياهنم وبوقايتهم، أو: على " في جنات النعيم " أي: استقروا في جنات ووقاهم، أو: حال، إما من المستكن في الخبر، أو: من فاعل " آتى " ، أو: مفعوله بإضمار " قد ". وإظهار الرب في موضع الإضمار مضافاً إلى ضمير { هم } لتشريفهم، ويُقال لهم: { كُلوا واشربوا } ما شئتم { هنيئاً } أي: أكلاً وشرباً هنيئاً، أو: طعاماً وشراباً هنيئاً، لا تنغيص فيه بخوف انقطاعه أو فواته، { بما كنتم } أي: عوض ما كنتم { تعملون } في الدنيا من الخير، أو جزاءه. { متكئين على سُررٍ مصفوفةٍ } مصطفة، وهو حال من الضمير في { كلوا واشربوا } ، { وزوَّجناهم } أي: قرنّاهم { بحُورٍ } جمع حوراء { عينٍ }: جمع عيناء، أي: عظام الأعين حِسانها. وفي الكشّاف: وإنما دخلت الباء في { بِحُورٍ } لتضمن معنى زوجناهم قرناهم. هـ. وقال الهروي: { زوَّجناهم } أي: قرناهم، والأزواج: الأشكال والقرناء، وليس في الجنة تزويج. هـ. والمنفي: تحمل مؤنة التزويج والمعاقدة، وإنما يقع التمليك والإقران. { والذين آمنوا } مبتدأ، { واتَّبعتهم ذريتُهم } عطف على { آمنوا } ، و { بإِيمان } متعلق بالاتباع، والخبر: { ألحقنا بهم ذرياتهم } أي: تلحق الأولاد بدرجات الآباء إذ شاركوهم في الإيمان، وإن قصرت أعمال الذرية عن أعمال الآباء، وكذلك الآباء تلحق بدرجة الأبناء لتقرّ بذلك أعينهم، فيلحق بعضهم ببعض، إذا اجتمعوا في الإيمان من غير أن ينقص أجر مَنْ هو أحسن عملاً شيئاً، بزيادته في درجة الأنقص، ولا فرق بين مَنْ بلغ مِن الذرية، أو لم يبلغ، إذا كان الآباء مؤمنين. انظر الثعلبي. وفي حديث ابن عباس: " إذا دخل أهلُ الجنة الجنة، يسأل الرجلُ عن أبويه، وزوجته، وولده، فيُقال: إنهم لم يُدركوا ما أدركتَ، فيقول: لقد عملتُ لي ولهم أجمعين، فيؤمر بإلحاقهم به " قال القشيري: ليكمل عليهم سرورهم بذلك فإنّ الانفراد بالنعمة والقلب مشتغل بالأهل والذرية ينغص العيش، وكذلك مَن يلاحظ قلباً من صديق وقريب ووليّ وخادم، قال تعالى في قصة يوسف:وَأْتُونِى بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ } [يوسف: 93].هـ. قال في الحاشية: وربما يستأنس بما ذُكر في الجملة بقوله:وَمَن يُطِعِ اللَّهِ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم... } [النساء: 69] الآية، وما قيل في سبب نزولها، وكذلك حديث: " المرء مع مَن أحب " ، وحال الجنة مما لا يخطر على بال، فيجوز أن يكون الأدنى مع الأعلى بمنازلته معه، مع مباينته له بحقيقته، كما أنّ حَيطة الحق تعالى شاملة للكل، وكل يتعرّف له على قدره، فالكل معه بمطلق التعرُّف، مع تحقُّق التفاوت، وأهل الجنة فيها على حكم الأرواح، وأحكامها لا تكيف، واعتبر بالفروع مع الأصول، مع تفاوتها.

السابقالتالي
2 3