الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلسَّمَآءِ ذَاتِ ٱلْحُبُكِ } * { إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُّخْتَلِفٍ } * { يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ } * { قُتِلَ ٱلْخَرَّاصُونَ } * { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } * { يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ ٱلدِّينِ } * { يَوْمَ هُمْ عَلَى ٱلنَّارِ يُفْتَنُونَ } * { ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ هَـٰذَا ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { والسماءِ ذات الحُبُكِ } ذات الطُرق الحسيّة، مثل ما يظهر على الماء والرمال من هبوب الرياح، وكذلك الطُرق التي في الأكسية من الحرير وغيره، يقال لها: حُبُك جمع حَبيكةٌ، كطريقة وطُرق، أو: جمع حِباك، قال الرَّاجز:
كأنما جلاَّها الحوَّاكُ طِنْفَسَةً في وَشْيِها حِبَاكُ   
والحوَّاك: صانع الحياكة، والمراد: إما الطريق المحسوسة، التي هي مسير الكواكب، أو: المعنوية، التي يسلكها النُظار في النجوم، فإن لها طرائق. قال البيضاوي: النكتة في هذا القَسَم، تشبيه أقوالهم في اختلافها، وتباين أغراضها، بطرائق السماوات في تباعدها، واختلاف غاياتها، وقال ابن عباس وغيره: ذات الخَلْق المستوي، وعن الحسن: حبكها نجومها. وقال ابن زيد: ذات أشدة، لقوله تعالى:سَبْعاً شِدَاداً } } [النبأ: 12]. { إِنكم } يا أهل مكة { لفي قولٍ مختلف } متخالف متناقض، وهو قولهم في حقه صلى الله عليه وسلم تارة: شاعر، وأخرى ساحر، وفي شأن القرآن، تارة: شعر، وأخرى أساطير الأولين { يُؤفكُ عنه مَن أُفك } يُصرف عن القرآن، أو عن الرسول، مَن ثبت له الصرف الحقيقي، الذي لا صرف أفظع وأشد منه، فكأنّ لا صرف حقيقة إلا لهذا الصرف، أي: يُصرف عن الإيمان مَن صُرف عن كل سعادةٍ وخير، أو: يُصرف عن الإيمان مَن صُرف في سابق الأزل. قلت: والأظهر أن يرجع لما قبله، أي: يُصرف عن هذا القول المختلف مَن صُرف في علم الله تعالى، وسَبقت له العناية، يقول: أفكه عن كذا: صرفه عنه، وإن كان الغالب استعماله في الصرف عن الخير إلى الشر، لكنه عُرفي، لا لغوي. والله تعالى أعلم. { قُتل الخرَّاصُون } دعاء عليهم، كقوله:قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ } [عبس: 17] وأصله: الدعاء القتل والهلاك، ثم جرى مجرى " لُعِنَ " ، والخرَّاصون: الكذّابون المُقدِّرون ما لا صحة له، وهم أصحاب القول المختلف، كأنه قيل: لُعن هؤلاء الخراصون { الذي هم في غمرةٍ } في جهل يغمرهم، { ساهون } غافلون عما أُمروا به { يسألون أيّان يومُ الدين } أي: متى وقوع يوم الجزاء، لكن لا بطريق الاستعلام حقيقة، بل بطريق الاستعجال، استهزاء، فإنَّ " إيّان " ظرف للوقوع المقدّر لأن " أيّان " إنما يقع ظرفاً للحدثان. ثم أجابهم بقوله: { يومَ هم على النار يُفتنون } أي: يقع يوم هم على النار يُحرقون ويُعذّبون، ويجوز أن يكون خبراً عن مضمر، أي: هو يوم هم، وبُني لإضافته إلى مضمر، ويُؤيده أنه قُرئ بالرفع. { ذُوقوا فِتْنتكم } أي: وتقول لهم خزنة النار: ذوقوا عذابكم وإحراقكم بالنار، { هذا الذي كنتم به تستعجلون } أي: هذا العذاب هو الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا، بقولكم:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ } [الأعراف: 70] فـ " هذا ": مبتدأ، و " الذي... " الخ: خبر، ويجوز أن يكون " هذا " بدلاً من فتنتكم، و " الذي ": صفته.

السابقالتالي
2