الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَفِي مُوسَىٰ إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ } * { فَتَوَلَّىٰ بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ } * { فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي ٱلْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } * { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلرِّيحَ ٱلْعَقِيمَ } * { مَا تَذَرُ مِن شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَٱلرَّمِيمِ } * { وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّىٰ حِينٍ } * { فَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَأَخَذَتْهُمُ ٱلصَّاعِقَةُ وَهُمْ يَنظُرُونَ } * { فَمَا ٱسْتَطَاعُواْ مِن قِيَامٍ وَمَا كَانُواْ مُنتَصِرِينَ } * { وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } * { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ ٱلْمَاهِدُونَ } * { وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

قلت: { وفي موسى }: عطف على { وفي الأرض } ، أو على قوله: { وتركنا فيها آية } على معنى: وجعلنا في موسى آية، كقوله:
علفتها تبناً وماءً بارداً   
و { إذ أرسلناه }: منصوب بآيات، أو: بمحذوف، أي: كائنة وقت إرسالنا، أو بتَركنا. يقول الحق جلّ جلاله: { وفي موسى } آية ظاهرة حاصلة { إِذ أرسلناه إِلى فرعون بسلطانٍ مبين } بحجة واضحة، وهي ما ظهر على يديه من المعجزات الباهرة، { فَتَولَّى بِرُكْنِه } فأعرض عن الإيمان وازوَرّ عنه { برُكنه } بما يتقوى به من جنوده ومُلكه، والركن: ما يركن إليه الإنسان من عِزٍّ وجند، { وقال } في موسى: هو { ساحرٌ أو مجنون } كأنه نسب ما ظهر على يديه عليه السلام من الخوارق العجيبة إلى الجن وتردد هل ذلك باختياره وسعيه، أو بغيرهما. { فأخذناه وجنودَه فنبذناهم في اليمِّ } وفيه من الدلالة على عِظَمِ شأن القدرة الربانية، ونهاية حماقة فرعون ما لا يخفى، { وهو مُليمٌ } آتٍ بما يُلام عليه من الكفر والطغيان. { وفي عادٍ إِذ أرسلنا عليهم الريحَ العقيمَ } وُصفت بالعقيم لأنها أهلكتهم، وقطعت دابرهم، أو: لأنها لم تتضمن خيراً مَّا، من إنشاء مطرٍ، أو إلقاح شجرٍ، وهي الدَّبور، على المشهور، لقوله عليه السلام: " نُصرتُ بالصَّبَا، وأُهلكت عادٌ بالدَّبور " ، { وما تذرُ من شيءٍ أتتْ عليه } أي: مرت عليه { إلا جعلته كالرميم } وهو كل ما رمّ، أي: بلي وتفتت، من عظم، أو نبات، أو غير، والمعنى: ما تركت شيئاً هبتَ عليه من أنفسهم وأموالهم إلا أهلكته. { وفي ثمودَ } آية أيضاً { إِذ قيل لهم تمتعوا حتى حينٍ } تفسيره قوله تعالى:تَمَتَّعُواْ فِى دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ } [هود: 65] رُوي أن صالحاً قال لهم: تُصبح وجوهكم غداً مصفرة، وبعد غدٍ مُحْمَرة، وفي الثالث مسودة، ثم يُصحبكم العذاب، { فَعَتوا عن أمر ربهم } استكبروا عن الامتثال، { فأخذتهم الصاعقةُ } العذاب، وكل عذاب مُهلك صاعقة. قيل: لما رأوا العلامات من اصفرار الوجوه، واحمرارها، واسودادها، التي بُنيت لهم، عَمدوا إلى قتله عليه السلام فنجّاه الله تعالى إلى أرض فلسطين، وتقدّم في النمل، ولمّا كان ضحوة اليوم الرابع تحنّطوا وتكفّنوا بالأنطاع، فأتتهم الصيحة، فهلكوا، كبيرهم وصغيرهم وهم ينظرون إليها ويُعاينونها جهراً، { فما استطاعوا من قيامٍ } من هرب، أو هو من قولهم: ما يقوم بهذا الأمر: إذا عجز عن دفعه. { وما كانوا منتصِرِين } ممتنعين من العذاب بغيرهم، كما لم يمتنعوا بأنفهسم. { وقومَ نوح } أي: وأهلكنا قوم نوح لأن ما قبله يدل عليه، أو: واذكر قوم نوح، ومَن قرأ بالجر فعطف على ثمود، أي: وفي قوم نوح آية، ويؤديه قراءة عبد الله " وفي قوم نوح " { مِن قبل } أي: قبل هؤلاء المذكورين، { إِنهم كانوا قوماً فاسقين } خارجين عن الحدود بما كانوا فيه من الكفر والمعاصي وإذاية نوح عليه السلام.

السابقالتالي
2