الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } * { وَٱسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ ٱلْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ } * { يَوْمَ يَسْمَعُونَ ٱلصَّيْحَةَ بِٱلْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ ٱلْخُرُوجِ } * { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِـي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا ٱلْمَصِيرُ } * { يَوْمَ تَشَقَّقُ ٱلأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ } * { نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِٱلْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ }

يقول الحق جلّ جلاله: { فاصبرْ على ما يقولون } أي: ما يقوله الشركون في شأن البعث من الأباطيل، فإنَّ الله قادر على بعثهم والانتقام منهم، أو: يقولونه في جانبك من النقص والتكذيب، أو: ما تقوله اليهود من مقالات الكفر والتشبيه، { وسبِّح بحمد ربك } أي: اصبر على ما تسمع واشتغل بالله عنهم، فسبِّح، أي: نزِّه ربك عن العجز عما يمكن، وعن وصفه تعالى بما يوجب التشبيه، حامداً له تعالى على ما أنعم به عليك من إصابة الحق والرشاد، { قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } وهما وقت الفجر والعصر، وفضلهما مشهور. { ومن الليل فسبِّحه } أي: وسبّشحه في بعض الليل { وأدبارَ السجود } أي: أعقاب الصلوات، جمع: دبر، ومَن قرأ بالكسر، فمصدر، من: أدبرت الصلاة: انقضت، ومعناه: وقت انقضاء الصلاة، وقيل: المراد بالتسبيح: الصلوات الخمس، فالمراد بما قبل الطلوع: صلاة الفجر، وبما قبل الغروب: الظهر والعصر، وبما من الليل: المغرب والعشاء والتهجُّد، وبأدبار السجود: النوافل بعد المكتوبات. { واسْتَمِع } أي: لِما يُوحى إليك من أحوال القيامة، وفيه تهويل وتفظيع للمخبر به، { يوم يُنادي المنادِ } أي: إسرافيل عليه السلام، فيقول: أيتها العظام البالية، واللحوم المتمزقة، والشعور المتفرقة إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء، وقيل: إسرافيل ينفخ، وجبريل ينادي بالمحشر، { من مكانٍ قريبٍ } بحيث يصل نداؤه إلى الكل، على سواء، وقيل: من حجرة بيت المقدس، وهو أقرب مكان من الأرض إلى السماء باثني عشر ميلاً، وهي وسط الأرض، وقيل: من تحت أقدامهم، وقيل: من منابت شعورهم، فيسمع من كل شعرة. " ويوم " منصوب بما دلّ عليه " يوم الخروج " أي: يوم ينادِ المنادِ يخرجون من القبور، فيوقف على " واستمع " وقيل: تقديره: واستمع حديث يوم ينادِ المنادي. و { يوم يسمعون الصحيةَ }: بدل من " يوم ينادِ " أي: واستمع يوم ينادِ المنادي، وذلك اليوم هو يوم يسمعون الصيحة، وهي النفخة الثانية. و { بالحق }: متعلق بالصيحة، أو: حال، أي: ملتبسة بالحق، وهو البعث والحشر للجزاء، { ذلك يومُ الخروجِ } من القبور. { إِنّا نحن نُحيي } الخلق { ونُميتُ } أي: نُميتهم في الدنيا من غير أن يشاركنا في ذلك أحد، { وإِلينا المصير } أي: مصيرهم إلينا لا إلى غيرنا. وذلك { يومَ تشقق } أصله: تتشقق، فأدغم، وقرأ الكوفيون والبصري بالتخفيف، بحذف إحدى التاءين، أي: تتصدع، { الأرضُ عنهم سِراعاً } فيخرج المؤمنون من صدوعها مسرعين، { ذلك حشرٌ } أي: بعث { علينا يسيرٌ } هَيْنٌ، وهو معادل لقول الكفرة: { ذلك رجع بعيد } ، وتقديم الجار والمجرور لتخصيص اليسر به تعالى. { نحن أعلم بما يقولون } من نفي البعث وتكذيب الآيات، وغير ذلك مما لا خير فيه، وهو تهديد لهم، وتسلية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، { وما أنت عليهم بجبَّار } أي: ما أنت بمسلَّط عليهم، إنما أنت داع، كقوله:

السابقالتالي
2