الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

قلت: { إذا قمتم }: أردتم القيام، كقوله:فَإِذَا قَرَأْتَ الْقٌرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ } [ النّحل:98]، حذف الإرادة للإيجاز، وللتنبيه على أن من أراد العبادة ينبغي أن يبادر إليها، بحيث لا ينفك الفعل عن الإرادة، وقوله: { برؤوسكم } الباء للإلصاق، تقول: أمسكتُ بثوب زيد، أي: ألصقت يدي به، أي: ألصقوا المسح برؤوسكم، أو للتبعيض، وهذا سبب الخلاف في مسحه كله أو بعضه، فقال مالك: واجب كله، وقال الشافعي: أقل ما يقع عليه اسم الرأس، ولو قلّ. وقال أبو حنيفة: الربع. { وأرجلكم } ، مَن نَصَبَ عطف على الوجه، ومن خفض فعلى الجوار، وفائدته: التنبيه على قلة صبَّ الماء، حتى يكون غسلاً يقرب من المسح. قاله البيضاوي: ورده في المُغني فقال: الجوار يكون في النعت قليلاً، وفي التوكيد نادرًا، ولا يكون في النسق لأن العاطف يمنع من التجاور، وقال الزمخشري: لمّا كانت الأرجل بين الأعضاء الثلاثة مغسولات، تغسل بصب الماء عليها، كان مظنة الإسراف المذموم شرعًا، فعطف على الممسوح لا لتمسح، ولكن لينبه على وجوب الاقتصاد في صب الماء عليها، وجيء فيهما بالغاية إماطة لظن من يظن أنها ممسوحة لأن المسح لم يضرب له غاية في الشريعة. هـ. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا } إذا أردتم القيام { إلى الصلاة } وأنتم محدثون { فاغسلوا وجوهكم } من منابت شعر الرأس المعتاد إلى الذقن، ومن الأذن إلى الأذن، { وأيديكم إلى المرافق } أي: معها، { وامسحوا برؤوسكم } أي: جميعها أو بعضها على خلاف، { وأرجلكم إلى الكعبين } العظمين الناتئين في مفصلي الساقين، فهذه أربعة فرائض، وبقيت النية لقوله:وَمَآ أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ } [البَيّنَة:5]، ولقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ: " إنما الأعمال بالنيات " والدلك إذًا لا يسمى غسلاً إلا به، وإلا كان غمسًا، والفور لأن العبادة إذا لم تتصل كانت عبثًا. ولمّا عطفت بالواو، وهي لا ترتب، علمنا أن الترتيب سنة. { وإن كنتم مرضى } لم تقدروا على الماء { أو على سفر } ولم تجدوه، أو في الحضر و { جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء } بالجماع أو غيره { ولم تجدوا ماء فتيموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم } أي: جميعه { وأيديكم منه } ، وقيد الحضر بفقد الماء دون السفر لأن السفر مظنة إعوازه، فالآية نص في تيمم الحاضر الصحيح للصلوات كلها. قال البيضاوي: وإنما كرره، ـ يعني مع ما في النساء ـ ليتصل الكلام في بيان أنواع الطهارة. هـ. ثم قال تعالى: { ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج } حتى يكلفكم بالطهارة في المرض أو الفقد من غير انتقال للتيمم، { ولكن يريد ليطهركم } أي: ينظفكم بالماء أو بدله، أو يطهركم من الذنوب، فإن الذنوب تذهب مع صب الماء في كل عضو، كما في الحديث، { وليتم نعمته عليكم } بشرعه، ما هو مَطهَرَةٌ لأبدانكم، ومَكفَرَة لذنوبكم { ولعلكم تشكرون } نعمه فيزيدكم من فضله.

السابقالتالي
2