الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ }

قلت: نقم ـ بفتح القاف ـ ينقم ـ بالكسر ـ، بمعنى: عاب وأنكر، وانتقم إذا كافأه على إنكاره، ويقال: نقم ـ بالكسر ـ ينقم ـ بالفتح ـ وقرىء به في الشاذ، و { أن أكثركم }: عطف على { آمنا } أي: ما تعيبون منا إلا أنا مؤمنون وأنتم فاسقون. يقول الحقّ جلّ جلاله: { قل يا أهل الكتاب هل تنقمون منا } أي: ما تنكرون علينا وتعيبونه منا { إلا أن آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل من قبل } من الكتب كلها، { وأن أكثركم } خارجون عن هذا الإيمان، وهذا أمر لا ينكر ولا يعاب، ونظير هذا في الاستثناء العجيب قوله النابغة:
لا عَيبَ فِيهِم غَيرَ أنَّ سُيُوفَهُم بِهِنَّ فُلُولٌ مِن قِرَاعِ الكتَائِبِ   
الإشارة: أهل الخصوصية يقرون أحوال أهل الشريعة كلها، ولا ينكرون على أهلها شيئًا من أمورهم، وأهل الشريعة ينكرون كثيرًا من أحوال أهل الخصوصية ويعيبُونها عليهم، وهي من أفضل القربات إلى الله عندهم، فيقولون لهم: هل تنقمون منا إلا أن آمنا بشريعتكم، وأنتم خارجون عن حقيقتنا ورؤية خصوصيتنا، لكن أهل الشريعة معذورون في إنكارهم، إذ ذاك مبلغهم من العلم، فإن كان إنكارهم غيرةً على ما فهموا من الدين فعذرهم صحيح، وإن كان حسدًا أو حمية فهم ممقوتون عند الله. والله تعالى أعلم. ولما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود، فقالوا يا محمد: أخبرنا بمن تؤمن من الرسل، فتلا عليهم:قُلْ ءَامَنَّا بِاللهِ } [آل عمران:84] إلى قوله:وَمَآ أوُتِىَ مُوسَى وَعِيسَى } [آل عمران:84] فلما سمعوا ذكر عيسى قالوا: ما رأينا شرًا من دينك، فأنزل الله تعالى في الرد عليهم: { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن ذٰلِكَ }.