الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } * { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } * { وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ }

{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ... } قلت: الباء في: { بأفواههم } ـ متعلقة بقالوا. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الرسول لا يحزنك } صنع المنافقين، { الذين يسارعون في الكفر } أي: يقعون فيه سريعًا، فيظهرونه إن وجدوا فرصة، ثم بينهم بقوله: { من الذين قالوا آمنا } قالوه { بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم } ، فلا يهولنّك شأنهم ولا تحتفل بكيدهم، فإن الله سيكفيك أمرهم. الإشارة: من شأن العارفين بالله تذكير عباد الله، ثم ينظرون إلى ما يفعل الله، فلا يحزنون على من لم تنفعه الموعظة، ولا يفرحون بسبب نجاح موعظتهم، إلا من حيث موافقة رضا ربهم، فهم في ذلك على قدم نبيهم، آخذين بوصية ربهم. والله تعالى أعلم. ثم رجع إلى عتاب اليهود، فقال: {... وَمِنَ ٱلَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآءُوكَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَٱحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِٱلْقِسْطِ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ ٱلتَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ ٱللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذٰلِكَ وَمَآ أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } قلت: { ومن الذين هادوا }: يُحتمل أن يكون عطفًا على { الذين قالوا } أي: لا يحزنك شأن المنافقين واليهود، و { سماعون }: خبر، أي: هم سماعون، ويحتمل أن يكون استئنافاً، فيكون { سماعون }: مبتدأ على حذف الموصوف، و { من }: خبر، أي: ومن الذين هادوا قوم سماعون، واللام في: { للكذب }: إما مزيدة للتأكيد، أو لتضمين السماع معنى القبول، وجملة { لم يأتوك }: صفة لقوم، وجملة { يحرّفون }: صفة أخرى له. يقول الحقّ جلّ جلاله: { ومن الذين هادوا } صنف { سماعون للكذب } أي: كثيروا السماع للكذب والقبول له، وهم يهود بني قريظة، { سماعون لقوم آخرين } وهم يهود خيبر، { لم يأتوك } أي: لم يحضروا مجلسك، تكبرًا وبغضًا، { يُحرفون الكلم من بعد مواضعه } أي: يميلونه عن مواضعه الذي وضعه الله فيها، إما لفظًا أو تأويلاً: { يقولون }: أي: الذين لم يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، وهم يهود خيبر: { إن أُوتيتم هذا فخذوه } أي: إن أوتيتم هذا المحرّف وأفتاكم محمد بما يوافقه فخذوه، { وإن لم تُؤتوه } بأن أفتاكم بغيره { فاحذروا } أن تقبلوا منه. وسبب نزولها: أن شريفًا مِن يهود خَيْبَرَ زنى بِشريفة منهم، وكانا مُحصنَين، وكرهوا رجمهما، فأرسلوا مع رَهطِ منهم إلى بَني قريظة ليسألوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، وقالوا لهم: إن أمَرَكُم بالجَلّد والتَّحمِيم فَاقبلُوا، وإن أمَرَكُم بالرَّجم فاحذروا أن تقبلوه منه، فأتوا رسولَ الله صلى عليه وسلم بالزَّانِيين، ومعَهما ابن صوريا، فاستفتوه صلى الله عليه وسلم، فقال لابن صوريا: أنشُدكَ اللهَ الذي لا إله إلا هُو، الذِي فَلَق البَحرَ لمُوسى، ورفع فوقكم الطور، وأنجاكُم وأغْرَقَ آلَ فِرعَونَ، والذِي أنزل علَيكُم كِتَابه، وأحلَّ حَلاله وحرَّم حَرَامه، هل تجد فيه الرَّجمَ على من أحصن؟ فقال: نعم، فوثبوا عليه، فقال: خِفتُ إن كَذبتَه أن ينزل علينا العذاب، فأمر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالزَّانِيين فرُجِمَا عندَ باب المسجد، وفي رواية: دعاهم إلى التوراة فأتوا بها، فوضع ابن صوريا يده على آية الرجم، وقرأ ما حولها، فقال له عبدالله بن سلام: ارفع يدك، فإذا آية الرجم تلوح، فرجما.

السابقالتالي
2 3