الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَآءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِٱلّبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي ٱلأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ }

{ مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي ٱلأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً... } قلت: { من أجل ذلك }: يتعلق بكتبنا، فيوقف على ما قبله، وقيل: بالنادمين، فيوقف على { ذلك } ، وهو ضعيف، قاله ابن جزي، وأصل { أجْل }: مصدر أجُل يأجل، كأخذ يأخذ، أجلاً، أي: جنا جناية، استعمل في تعليل الجنايات، ثم اتسع فيه، فاستعمل في كل تعليل. يقول الحقّ جلّ جلاله: { من أجل ذلك } القتل الذي صدر من قابيل لأخيه هابيل، وما نشأ عنه من التجرؤ على الدماء والمفاسد، حيث سَنَّه أولاً ولم يكن يعرفه أحد، فاقتدى به من بعده، { كتبنا على بني إسرائيل } في التوراة الذي حكمه متصل بشريعتكم، { أنه من قتل نفسًا بغير نفس } أي: في غير قصاص، وبغير فساد في الأرض، كقطع الطريق والكفر، { فكأنما قتل الناس جميعًا } من حيث إنه هتك حرمة الدماء، وسن القتل، وجرأ الناس عليه. وفي البخاري عن ابن مسعود قال: قال صلى الله عليه وسلم: " لا تُقتَلُ نَفسٌ مسلمةٌ بغير حق إلاَّ كَانَ على ابنِ آدَمَ الأولِ كِفلٌ من دَمِها، لأنَّهُ أوَّلُ من سَنَّ القَتل " أو من حيث إن قتل الواحد والجميع سواء في استجلاب غضب الله والعذاب العظيم، أو يكون الناس خصماءه يوم القيامة لأن هتك حرمة البعض كالكل. { ومن أحياها } أي: تسبب في حياتها بعفو أو منع من القتل، أو استقباء من بعض أسباب الهلكة كإنقاذ الغريق والحريق وشبه ذلك، { فكأنما أحيا الناس جميعًا } أُعطِي من الأجر مثل ما لو أحيا الناس جميعًا، وفي البخاري: " من أحياها ـ أي مَن حَرَّمَ قتلَها إلا بحق حيى الناس منه جميعًا " قال ابن جزي: والقصد بالآية تعظيم قتل النفس والتشديد فيه، ليزدجر الناس عنه وكذلك الثواب في إحيائها كثواب إحياء الجميع لتعظيم الأمر والترغيب فيه. هـ. فما كتبه الله على بني إسرائيل هو أيضًا شرع لنا. قال أبو سعيد: والذي لا إله إلا هو ما جعل دم بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا. وإنما خصّهم بالذكر لأنهم أول أمة نزل الوعيد عليهم في قتل النفس في كتاب، وغلظ عليهم بسبب طغيانهم، ولتلوح مذمتهم. انظر ابن عطية. وعنه صلى الله عليه وسلم: " مَن سَقَى مؤمنًا شربَة ماء والماءُ موجودٌ، فكأنما أعتقَ سبعين رقبة، ومَن سقَى في غيرِ مَوطِنِه فكأنَّما أحيا الناس جميعًا ". الإشارة: كل من صدَّ نفسًا عن إحياء قلبها وعوّقها عن من يُعَرِّفُها بربها فكأنما قتلها، ومن قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا لأن المؤمنين كلهم كالجسد الواحد، كما في الحديث، ومن أحياها بأن أنقذها من الغفلة إلى اليقظة، ومن الجهل إلى المعرفة، فكأنما أحيا الناس جميعًا لأن الأرواح جنس واحد، فإحياء البعض كإحياء الكل.

السابقالتالي
2 3