{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةُ وَٱلْدَّمُ وَلَحْمُ ٱلْخِنْزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ وَٱلْمُنْخَنِقَةُ وَٱلْمَوْقُوذَةُ وَٱلْمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بِٱلأَزْلاَمِ ذٰلِكُمْ فِسْقٌ... } يقول الحقّ جلّ جلاله: { حُرِّمَت عليكم الميتة } أي: ما ماتت حَتْفَ أنفها بلا ذكاة، { والدم } المسفوح، أي: المهروق، وكانت الجاهلية يصبّونه في الأمعاء، ويشوونها، ورُخِّصَ في الباقي في العروق بعد التذكية، { ولحم الخنزير } ، وكذا شحمه وسائر أجزائه المتصلة، بخلاف الشعر المجزوّ، { وما أُهَلَّ لغير الله به } أي: رفع الصوت عليه عند ذبحه بغير الله، كقولهم: باسم اللاّت والعزّى، وكذا ما تُرِكَ عليه اسم الله عَمْدًا، عند مالك { والمنخنقة } بحبل وشبهه حتى ماتت، { والموقوذة } أي: المضروبة بعصا أو بحجر أو شبهه، من: وقذته وقذًا: ضربته، { والمتردية } أي: الساقطة من جبل أو في بئر وشبهه فماتت، { والنطيحة } التي نطحتها أخرى فماتت، فإن لم تمت فإن كان في المصران الأعلى فكذلك، لا في الأسفل أو الكرش. { وما أكل السّبع } أي: أكل بعضه وأنفذ مقتله، والسبّع: كل حيوان مفترس كالذئب والأسد والنّمر والثعلب والنّمس والعُقاب والنّسر { إلاّ ما ذكّيتم } أي: إلا ما أدركتم ذكاته وفيه حياة مستقرة من ذلك. قاله البيضاوي. وقال ابن جُزَيّ: قيل: إنه استثناء منقطع، وذلك إذا أُريد بالمنخنقة وأخواتها: ما مات من ذلك بالخنق وما بعده، أي: حُرِّمَت عليكم هذه الأشياء، لكن ما ذكَّيتم من غيرها فهو حلال، وهذا ضعيف، وقيل: إنه استثناء متصل، وذلك إن أُريد بالمنخنقة وأخواتها ما أصابته تلك الأسباب وأدركت حياته. والمعنى: إلا ما أدركتم حياته من هذه الأشياء، فهو حلال، واختلف أهل هذا القول هل يُشتَرَط أن يكون لم تنفذ مقاتله، أم لا؟ فالأئمة كلهم على عدم الاشتراط إلا مالكًا ـ رحمه الله ـ، وأما مَن لم تُشرِف على الموت من هذه الأسباب، فذكاتها جائزة باتفاق. هـ. { و } حُرِّمَ عليكم أيضًا: { ما ذُبِحَ على النُّصُب } ، وهي أحجار كانت منصوبة حول البيت، يذبحون عليها ويعدُّون ذلك قُرْبَة، وليست بالأصنام لأن الأصنام مُصَوّرة، والنُّصُب غير مُصَوَّرة، وقيل: { على } بمعنى اللام، أي: وما ذُبِحَ للنُّصُب، والمراد كلّ ما ذُبحَ لغير الله. { وأن تستقسموا بالأزلام } أي: تطلبوا ما قسم لكم في الأزل من المقادير بالأزلام، جمع زلم ـ بضم الزاي وفتحها ـ وهي الأقداح على قدر السهام. وكانت في الجاهلية ثلاثة، قد كُتب على أحدها: افعل، على الآخر: لا تفعل، وعلى الثالث: مهمل، فإذا أراد الإنسان أن يعمل أمرًا جعلها في خريطة، وأدخل يده وأخرج أحدها، فإن خرج له الذي فيه " افعل " فعل ما أراد، وإن خرج الذي فيه " لا تفعل " ، تركه.