الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَٰقَوْمِ ٱدْخُلُوا ٱلأَرْضَ ٱلمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَٰسِرِينَ } * { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } * { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

قلت: { فتنقلبوا }: منصوب بأن في جواب النهي، أو عطف على المجزوم، و { ما داموا }: بدل من { أبدًا } بدل بعض، و { أخي } يحتمل النصب عطف على { نفسي } ، أو رفع عطف على { أن } مع اسمها، أو مبتدأ حُذف خبره، أو جر عطف على ياء المضاف، على مذهب الكوفيين. يقول الحقّ جلّ جلاله: حاكيًا عن موسى ـ عليه السلام ـ: { يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة } أرض بيت المقدس، قدسها الله، حيث جعلها قرار أنبيائه ومسكن المؤمنين. وفي مدحها أحاديث كثيرة. وقيل: الطور وما حوله، أو دمشق وفلسطين، أو الشام، { التي كتب الله لكم } أي: التي كتب الله في اللوح المحفوظ، أنها لكم مسكنًا إن جاهدتم وأطعتم نبيكم، { ولا ترتدوا على أدباركم } أي: لا ترجعوا مدبرين هاربين خوفًا من الجبابرة، أو: لا ترتدوا عن دينكم بالعصيان، وعدم الوثوق بالله، { فتنقلبوا خاسرين } الدنيا والآخرة. رُوِي أنهم لما سمعوا حالهم من النقباء بكوا، وقالوا: ليتنا متنا بمصر، تعالوا نجعل علينا رأسًا ينصرف بنا إلى مصر، ثم { قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين } أقوياء متغالبين، لا طاقة لنا بمقاومتهم، وهم قوم من العمالقة، من بقية قوم عاد، { وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها } بأمر سماوي، أو يُسلط عليهم من يخرجهم من غيرها، { فإن يخرجوا منها فإنا داخلون } فيها. { قال رجلان } كالب بن يوقنّا، ويوشع بن نون ـ ابن آخت موسى وخادمه ـ { من الذين يخافون } الله، أو رجلان من الجبابرة أسلما وصارا إلى موسى، وعليه قراءة { يُخافان } بضم الياء، { أنعم الله عليهما } بالإسلام والتثبت، قالا: { ادخلوا عليهم الباب } أي: باب المدينة، أي: باغِتوهم بالقتال، { فإذا دخلتموه فإنكم غالبون } أي: ظاهرون عليهم، فإنهم أجسام لا قلوب فيها. يحتمل أن يكون علمهما بذلك من قِبل موسى، أو من قوله تعالى: { التي كتب الله لكم } ، أو من عادته سبحانه في نصر رسله وأوليائه، وما عَهِدا من صنيعه تعالى مع موسى من قهر أعدائه. ثم قال: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } به، ومصدقين لوعده. { قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدًا ما داموا فيها } ، وهذا من تعنتهم وعصيانهم، وأشنعُ منه قولهم: { فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون } ، قالوه استهزاء بالله ورسوله وعدم مبالاة بهما، وانظر فضيلة الأمة المحمدية، وكمال أدبها مع نبيها ـ عليه الصلاة والسلام ـ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الحديبية لأصحابه حين صُد عن البيت: إني ذاهب بالهدي فناحِرُه عند البيت، فقال المقداد بنُ الأسود: أما والله ما تقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: { فاذهب أنت وربك فقَاتلا إنا هاهنا قاعدون } ، ولكن نقاتل عن يمينك وشمالك، ومن بين يديك من خلفك، ولو خُضت البحر لخضناه معك، ولو تسنَمت جبلاً لعلوناه معك، ولو ذهبت بنا إلى بَرك الغماد لتبعناك، فلما سمعها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم تابعوه على ذلك فَسُرَ صلى الله عليه وسلم وأشرق وجهه.

السابقالتالي
2 3