الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } * { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { قَالَ ٱللَّهُ هَـٰذَا يَوْمُ يَنفَعُ ٱلصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { للَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قلت: { من دون الله }: صفة لإلهين، أو صلة { اتخذوني } ، و { أن أعبدوا }: تفسيرية للمأمور به، أو بدل من ضمير به، وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقًا لئلا يلزم منه بقاء الموصول بلا راجع، أو عطف بيان له، أو خبر عن مضمر، أي: هو، أو معفول به، أي: أعني، ولا يجوز إبداله من { ما } لأن المصدر لا يكون مفعولاً للقول لأنه مفرد، والقول لا يعمل إلا في الجمل أو ما في معناه. { يوم ينفع } من نصب جعله ظرفًا لقال، أو ظرف، مستقر خبرِ { هذا } والمعنى: هذا الذي مَرّ من كلام عيسى، واقع يوم ينفع، الخ، وأجاز ابن مالك أن يكون مبنيًّا، قال في ألفيته:
وقَبل فَعل مُعَرب أو مُبتَدا أعرِب، ومَن بَنَا فَلَن يُفَنَّدَا   
ومَن رفع، فخبر، وهو ظرف متصرف. يقول الحقّ جلّ جلاله: واذكر { إذ قال الله يا عيسى } بعد رفعه إلى السماء، أو يقول له يوم القيامة، وهو الصحيح، بدليل قوله: { قال الله هذا } الخ، فإن اليوم الذي { ينفع الصادقين صدقهم } هو يوم القيامة، فيقول له حينئذٍ: { أنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله } يريد به توبيخ الكفار الذين عبدوه وتبكيتهم، وفيه تنبيه على أن من عبد مع الله غيره فكأنه لم يعبد الله قط، إذ لا عبرة بعبادة من أشرك معه غيره. { قال } عيسى عليه السلام مبرءًا نفسه من ذلك وقد أرعد من الهيبة: { سبحانك } أي: تنزيهًا لك من أن يكون لك شريك، { ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق } أي: ما ينبغي لي أن أقول ما لا يجوز لي أن أقوله، { إن كنتُ قُلتُه فقد علمته } ، وكَلَ العلم إلى الله لتظهر براءته، لأن الله علم أنه لم يقل ذلك، { تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك } أي: تعلم ما أخفيته في نفسي، كما تعلم ما أعلنته، ولا أعلم ما تخفيه، من معلوماتك، سلك في اللفظ مسلك المشاكلة، فعبّر بالنفس عن الذات. { إنك أنت علاّم الغيوب } لا يخفى عليك شيء من الأقوال والأفعال. { ما قُلتُ لهم إلا ما أمرتني به } وهو عبادة الله وحده، فقلت لهم: { اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدًا } أي: رقيبًا عليهم، أمنعهم أن يقولوا ذلك أو يعتقدوه. { ما دمتُ فيهم فلما توفيتني } بالرفع إلى السماء، أي: توفيت أجلي من الأرض. والتوفي أخذ الشيء وافيًا، فلما رفعتني إلى السماء { كنت أنت الرقيب عليهم } أي: المراقب لأحوالهم { وأنت على كل شيء شهيد }: مطّلع عليه مراقب له. { إن تعذبهم فأنهم عبادك } وأنت مالك لهم، ولا اعتراض على المالك في ملكه، وفيه تنبيه على أنهم استحقوا العذاب، أي: لأنهم عبادك وقد عبدوا غيرك، { وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم } ، فلا عجز ولا استقباح، فإنك القادر والقوي على الثواب والعقاب بلا سبب، ولا تُعاقب إلا عن حكمة وصواب، فإن عذبت فعدل، وإن غفرت ففضل، وعدم غفران الشرك مقتضى الوعيد، فلا امتناع فيه لذاته ليمتنع الترديد والتعليق بإن.

السابقالتالي
2 3