الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ ٱلشَّاهِدِينَ } * { قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

قلت: { يا عيسى ابن مريم }: ابن هنا بدل، ولذلك كتب بالألف، و { أن ينزل }: مفعول { يستطيع } ، ومن قرأ بالخطاب، فمفعول بالمصدر المقدر، أي: سؤال ربك إنزال مائدة، و { لأولنا وآخرنا }: بدل كل، من ضمير { لنا } ، لإفادته الإحاطة والشمول كالتوكيد، وذلك: شرط إبدال الظاهر من ضمير الحاضر، وأعيدت اللام مع البدل للفصل، وضمير { لا أعذبه }: نائب عن المصدر، أي: لا أعذب ذلك التعذيب أحدًا. يقول الحقّ جلّ جلاله: واذكر { إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء } أي: هل يطيعك ربك في هذا الأمر، أم لا؟ فالاستفهام عن الإسعاف في القدرة، فهو كقول بعض الصحابة لعبد الله بن زيد: هل تستطيع أن ترينا كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ مع جزمهم بأن عبدالله كان قادرًا على تعليمهم الوضوء. فالحواريون جازمون بأن الله ـ تعالى ـ قادر على إنزال المائدة، لكنهم شكوا في إسعافه على ذلك. قال ابن عباس: كان الحواريون أعلم بالله من أن يشكو أن الله تعالى يقدر على ذلك، وإنما معناه، هل يستطيع لك أي: هل يطيعك، ومثله عن عائشة، وقد أثنى الله ـ تعالى ـ على الحواريين، في مواضع من كتابه، فدل أنهم مؤمنون كاملون في الإيمان. قال لهم عيسى عليه السلام: { اتقوا الله } من أمثال هذا السؤال واقتراح الآيات، { إن كنتم مؤمنين } بكمال قدرته وصحة نبوتي، فإنّ كمال الإيمان يوجب الحياء من طلب المعجزة، { قالوا نريد أن نأكل منها } أكلاً نتشرف به بين الناس، وليس مرادهم شهوة البطن، { وتطمئن قلوبنا } بانضمام علم المشاهدة إلى علم الاستدلال، أي: نعاين الآية ضرورة ومُشاهدة، فلا تعرض لنا الشكوك التي في الاستدلال، { ونعلم أن قد صدقتنا } علمًا ضروريًا لا يختلجه وهم ولا شك، { ونكون عليها من الشاهدين } أي: نشهد بها عند من لم يحضرها من الناس، أو من الشاهدين للعين، دون السامعين للخبر، وليس الخبر كالعيان، والحاصل: أنهم أرادوا الترقي إلى عين اليقين، دون الأكتفاء بعلم اليقين. { قال عيسى ابن مريم } مسعفًا لهم لما رأى لهم غرضًا صحيحًا في ذلك، رُوِي أنه لبس جُبَّةَ شعر، ورداء شعر وقام يصلي ويدعو ويبكي، وقال: { اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدًا لأولنا وآخرنا } أي: لمتقدمنا ومتأخرنا، يعود علينا وقت نزولها كل عام بالفرح والسرور، فنتخذه عيدًا نحن ومن يأتي بعدنا، { و } يكون نزولها { آية منك } على كمال قدرتك وصحة نبوتي، { وارزقنا } المائدة والشكر عليها، { وأنت خير الرازقين } أي: خير من يرزق لأنه خالق الرزق ومعطيه بلا عوض، ونسبة الرزق إلى غيره مجاز.

السابقالتالي
2