الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ }

يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين أمنوا اذكروا نعمة الله عليكم } بحفظه إياكم من عدوكم { إذ هَمَّ قوم } أي: حين هَمَّ الكفار { أن يبسطوا إليكم أيديهم } بالقتل، { فكفّ أيديهم عنكم } ، ولما كانت مصيبة قتل النبي صلى الله عليه وسلم ـ لو قُتل ـ تَعُمُّ المؤمنين كلهم، خاطبهم جميعاً، وهي إشارة إلى ما همت به بنو قريظة، من قتله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم أتى بني قريظة، ومعه الخلفاءُ الأربعة يَستَعينهم في دية رجلين مسلمين، قتلهما عَمرو بن أمية الضمري، خطأ، يظنهما مشركَين، فقالوا: نعم يا أبا القاسم، قد آن لنا أن نعينك فاجلس حتى تطعم، فأجلسوه، وهموا بقتله، فعمد عَمرُو بن جُحَاش إلى رَحى عظيمةٍ ليَطرحَها عليه، فأمسَكَ اللهُ يده، ونزل جِبرِيلُ فأخبَرُه، فخَرَج النَّبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ولحقه أصحابُه، وهذا كان سبب قتلهم في غزوة بن قريظة. وقيل: نزلت في قضية غَورث، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ببطن نخلة حاصرًا لغطفان، فقال رجل منهم: هل لكم في أن أقتل محمدًا فأفتك به؟ قالوا: وددنا ذلك، فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم متقلدًا سيفه، فَوجد النبي صلى الله عليه وسلم نازلاً تحت شجرة قد تفرق أصحابه عنه، وقد علق سيفه في الشجرة، فسله الأعرابي، وقال: من يمنعك مني؟ وفي رواية: وجد النبي صلى الله عليه وسلم نائمًا فاستل السيف، فما استيقظ النبي إلا والسيف في يد الأعرابي، فقال: من يمنعك مني يا محمد؟ فقال: " الله " ، فأسقطه جبريل من يده، وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " وأنت، من يمنعك مني؟ " فقال: كن خير آخذ، فعفى عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ. زاد البيضاوي: أنه أسلم. وقيل نزلت في صلاة الخوف حين همَّ المشركون أن يُغِيرُوا على المسلمين في الصلاة. فالله تعالى أعلم. ثم قال تعالى: { واتقوا الله } فلا تشهدوا معه سواه، وتوكلوا عليه يكفكم أمر عدوكم، { وعلى الله فليتوكل المؤمنون } فإنه يكفيكم أمرهم جلبًا ودفعًا، من توكل على الله كفاه. الإشارة: ما جرى على النبي صلى الله عليه وسلم من قصد القتل والإذاية يجري على خواص ورثته، وهم الأولياء ـ رضي الله عنهم ـ والعلماء الأتقياء، فقد هَمَّ قوم بقتلهم وسجنهم وضربهم، وإجلائهم من أوطانهم، فكف الله أيديهم عنهم، وكفاهم شرهم، لمّا صححوا التوكل عليه، وأخلصوا الوجهة إليه، ومنهم من لحقه شيء من ذلك، كما لحق بعض الأنبياء ـ عليهم السلام ـ زيادة في شرفهم وكرامتهم، جمع الله لهم بين مقام الشهادة والصديقية، { والله ذو الفضل العظيم }. ثم ذكر وبال من نقض العهد ترهيبّا وترغيبّا، فقال: { وَلَقَدْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَآئِيلَ }.