الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ حِينَ ٱلْوَصِيَّةِ ٱثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ ٱلْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ ٱلصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ إِنِ ٱرْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ ٱللَّهِ إِنَّآ إِذَاً لَّمِنَ ٱلآَثِمِينَ } * { فَإِنْ عُثِرَ عَلَىٰ أَنَّهُمَا ٱسْتَحَقَّآ إِثْماً فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنَ ٱلَّذِينَ ٱسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِٱللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِن شَهَادَتِهِمَا وَمَا ٱعْتَدَيْنَآ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ ٱلظَّالِمِينَ } * { ذٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يَأْتُواْ بِٱلشَّهَادَةِ عَلَىٰ وَجْهِهَآ أَوْ يَخَافُوۤاْ أَن تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَٱتَّقُوا ٱللَّهَ وَٱسْمَعُواْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَاسِقِينَ }

قلت: { شهادة }: مبتدأ، وخبره: { اثنان } ، أي: مقيم شهادة بينكم اثنان، أو حذف الخبر، أي: فيما أمرتكم شهادة بينكم، و { اثنان } على هذا: فاعل شهادة، و { إذا }: ظرف لشهادة، و { حين الوصية }: بدل منه، ويجوز أن يكون { إذا }: شرطية حذف جوابها، أي: إذا حضر الموت فينبغي أن يشهد حين الوصية اثنان، و { ذوا عدل }: صفة لاثنان، أو { آخران }: عطف على { اثنان } ، { إن أنتم }: شرط حذف جوابه، دل عليه ما تقدم، أي: إن سافرتم، فأصابتكم مصيبة الموت في السفر، فشهادة بينكم اثنان. و { تحبسونهما }: قال أبو علي الفارسي: هو صفة لآخران، واعترض بين الصفة والموصوف قوله: { إن أنتم } إلى قوله: { الموت } ، ليفيدا العد، { آخران } من غير الملة، إنما يجوز لضرورة الضرب في الأرض وحلول الموت في السفر. وقال الزمخشري: هو استئناف كلام، { إن ارتبتم }: شرطية، وجوابها محذوف، دلّ عليه { يقسمان } ، و { لا نشتري } هو المقسم عليه، وجملة الشرط معترضة بين القسم والمقسم عليه، والتقدير: إن ارتبتم في صدقهما فأقسما بالله لا نشتري به، أي: بالقسم، ثمنًا قليلاً من الدنيا، و { الأوليان }: خبر، فيمن قرأ بالبناء للمفعول، أو فاعل، فيمن قرأ بالبناء للفاعل، ومن قرأ { الأولين } ـ تثنية أول ـ فبدل من الذين، أو صفة له. قال مكّي: هذه الآية أشكل آية في القرآن إعرابًا ومعنى. وسبب نزولها: أن تميمًا الدَّاريَّ وعَدي بن بداء ـ وكانا أخوين ـ، خرجا إلى الشام للتجارة ـ وهما حينئٍذ نَصرانيّان ـ ومعهما بُدَيلٌ مولَى عمرو بن العاصَ، وكان مُسلمًا، فلمّا قَدِما الشام مَرِضَ بُديلٌ، فدون ما مَعَه في صَحيفةٍ، وطرحها في متَاعه، وشدّ عليها، ولم يُخبرهُما بها، وأوصى إليهمَا بان يَدفعا مَتَاعَه إلى أهلِه، ومات، ففتّشاه، وأخذا منه إنَاءً من فِضّة، قيمته: ثلاثُمائة مثقالٍ، مَنقُوشًا بالذَهبِ، فجنّباه ودفَعَا المتَاعَ إلى أهلِهِ، فأصَابُوا الصَّحِيفَةَ، فطَالبُوهُمَا بِالإناء، فجَحَدا، فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } إلى قوله: { من الآثمين } فحلّفَهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد صلاة العصر، عند المنبر، وخلا سبيلهما. ثم عثر بعد مدة على الإناء بمكة، فقيل لمن وجد عنده: من أين لك هذا؟ قال: اشتريته من تميم الداري وعديّ بن بداء، فرفع بنو سهم الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت: { فإن عثر على أنهما استحقا إثمًا فآخران يقومان مقامهما } ، فقام عمرو بن العاصَ والمطلب بن أبي وَداعة السهميان، فحلفا واستحقا الإناء. ومعنى الآية: يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا } ، مما نأمركم به: أن تقع { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت } ، وأراد الوصية فيحضر عدلان منكم، فإن كنتم في سفر وتعذر العدلان منكم، فليشهد { آخران من غيركم } ممن ليس على دينكم، ثم إن وقع ارتياب في شهادتهما، { تحبسونهما } بعد صلاة العصر { فيقسمان بالله } ما كتمنا، ولا خُنَّا، ولا نشتري بالقسم أو بالله عرضًا قليلاً من الدنيا، ولو كان المحلوف له قريبًا منا، { ولا نكتم شهادة الله } { إنّا إذًا } ، إن كتمنا، { لمن الآثمين }.

السابقالتالي
2