الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قلت: الجملة الشرطية صفة لأشياء، وأشياء اسم جمع لشيء، أصله عند سيبويه: شيئَاءَ، مثل فَعلاء، قلبت إلى لفعاء، أي: قلبت لامه إلى فائه، لثقل اجتماع الهمزتين، وقال أبو حاتم: أشياء وزنها أفعال، وهو جمع شيء، وترك العرف فيه سماع، وقال الكسائي: لم ينصرف أشياء، لشبه آخره بآخر حمراء، انظر ابن عطية. وجملة عفا الله عنها: صفة أخرى لأشياء، أي: عن أشياء عفا الله عنها، ولم يكلف بها. يقول الحقّ جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } ليس لكم فيها نفع، { إن تُبْدَ لكم تسؤكم } أي: إن تظهر لكم وتجابوا عنها تسؤكم بالأخبار بما لا يعجبكم وبما يشق عليكم، قيل: سبب نزول الآية: كثرة سؤال الناس له صلى الله عليه وسلم من الأعراب والمنافقين والجُهال، فكان الرجل يقول للنبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ؟ أين ناقتي؟ وآخر يقول: ماذا ألقى في سفري؟ ونحو هذا من التعنيت، حتى صعد المنبر صلى الله عليه وسلم مغضبًا، فقال: " لا تَسألُوني اليوم عن شيء إلا أخبرتُكُم به " فقام رجل فقال: أين أنا؟ فقال: " في النار " وقام عبَدُ الله بن حُذَافة ـ وكان يُطعَنُ في نسبِهِ فقال: مَن أبي؟ فقال: " أبوكِ حُذافة " ، وقال آخر: من أبي؟ قال: " أبوك سَالم مولى شيبة " ، فقام عمر بن الخطاب، فجثا على ركبتيه، فقال: رَضِينا بالله رَبًا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمُحمَّدٍ نَبِيًا نعوذ بالله من الفتن. فنزلت هذه الآية. وقيل: سبب نزولها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: " أيها الناس إن الله كتب عليكم الحج فحجوا " فقالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت، فأعادوا، فقال: " لا، لو قُلتُ: نَعَم، لوجَبَت، وَلَو وَجَبت لَم تُطيقوه، ولَوَ تَركتُموه لهلكتم، فأترُكُوني مَا تَركتُكُم " ، قال أبو ثعلبة الخشني رضي الله عنه: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدودًا فلا تعتدوها، وعفا ـ من غير نسيان ـ عن أشياء، فلا تبحثوا عنها. ثم قال تعالى: { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن } أي زمنه { تُبْدَ لكم } أي: تظهر لكم، وفيه معنى الوعيد على السؤال، كأنه قال: لا تسألوا، وإن سألتم أبدى لكم ما يسؤكم. والمراد بحين ينزل القرآن: زمان الوحي. فلا تسألوا عن أشياء قد { عفا الله عنها } ولم يكلف بها أو عفا الله عما سلف من سؤالكم، فلا تعودوا إلى مثلها، { والله غفور حليم } لا يعاجلكم بعقوبة ما فرط منكم ويعفو عن كثير. { قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين } حيث لم يأتمروا بما سألوا، وجحدوا، وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أُمروا بها تركوها، فهلكوا.

السابقالتالي
2