الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِيۤ أَنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ ٱلْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوۤاْ إِيمَٰناً مَّعَ إِيمَٰنِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً } * { لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } * { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

يقول الحق جلّ جلاله: { هو الذي أنزل السكينةَ } أي: السكون والطمأنينة، فعلة، من: السكون، كالبهيتة من البهتان، { في قلوب المؤمنين } حتى لم يتضعضعوا من الشروط التي عقدها صلى الله عليه وسلم مع المشركين، مَن رَدّ مَن أسلم منهم، وعدم ردهم مَن رجع إليهم، ومِن دخول مكة قابلاً بلا سلاح، وغير ذلك مما فعله صلى الله عليه وسلم معهم بالوحي، وما صدر عن عمر رضي الله عنه فلشدة قوته وصلابته، وما زال يعتق ويفعل أموراً كفارة لذلك. وقيل: { السكينة }: الصبر على ما أمر به الله من الشرائع والثقة بوعد الله، والتعظيم لأمر الله، { ليزدادوا إيماناً مع إِيمانهم } أي: يقيناً إلى يقينهم، أو: إيماناً بالشرائع مع إيمانهم بالعقائد. وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: بعث الله نبيه بشهادة " ألا إله إلا الله " فلما صدَّقوه فيها، زادهم الصلاة، فلام صدّقوه، زادهم الزكاة، فلما صدّقوه، زادهم الحج، فلما صدّقوا زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فذلك قوله: { ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنودُ السماوات والأرض } يُدبرها كما يريد، يُسلط بعضها على بعض تارة، ويوقع الصلح بينهما أخرى، حسبنا تقتضيه مشيئته المبنية على الحِكَم والمصالح، { وكان الله عليماً } مبالغاً في العلم بجميع الأمور { حكيماً } في تدبيره وتقديره. { ليُدخل المؤمنين والمؤمنات } اللام متعلق بما يدل عليه ما ذكر من قوله: { ولله جنود السماوات والأرض } من معنى التصرُّف، أي: دَبّر ما دَبَّر من تسليط المؤمنين، ليعرفوا نعمة الله ويشكروها، فيدخلهم { جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها ويُكَفِّرَ عنهم سيئاتهم } أي: يُغطّي عنهم مساوئهم، فلا يظهرها لهم ولا لغيرهم. وتقديم الإدخال على التكفير، مع أن الترتيب في الوجود على العكس للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى. { وكان ذلك } أي: ما ذكر من الإدخال والتكفير { عند الله فوزاً عظمياً } لا يُقادر قدره لأنه منتهى ما امتدت إليه أعناق الهمم من جلب نفع ودفع ضر. و " عند الله ": حال من " فوزاً عظيماً " لأنه صفته في الأصل، فلما قُدّم عليه صار حالاً، أي: كائناً عند الله في علمه وقضائه. والجملة اعتراض مقُرِّرٌ لما قبله. { ويُعذِّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات } لِما أغاظهم من ذلك وكرهوه، وهو عطف على " يدخل " ، وفي تقديم المنافقين على المشركين ما لا يخفى من الدلالة على أنهم أحق منهم بالعذاب. { الظانين بالله ظَنَّ السَّوءِ } أي: ظن الأمر السَّوء، وهو ألا ينصر الله رسولَه والمؤمنين، ولا يُرجعهم إلى مكة، فالسَّوء عبارة عن رداءة الشيء وفساده، يقال: فِعْلُ سَوُءٍ، أي: مسخوط فاسد. { عليهم دائرةُ السَّوءِ } أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين، وهو دائر عليهم وحائق بهم.

السابقالتالي
2