الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ قَـٰتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً } * { سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً } * { وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً } * { هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً }

{ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ ٱلَّذِينَ كفَرُواْ لَوَلَّوُاْ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً سُنَّةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ ٱللَّهِ تَبْدِيلاً وَهُوَ ٱلَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً هُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ... } يقول الحق جلّ جلاله: { ولو قاتلكم الذين كفروا } من أهل مكة ولم يُصالحوا، أو من خلفاء خيبر، الذين جاؤوا لنصرهم { لَوَلَّوا الأدبارَ } منهزمين { ثم لا يجدون وليّاً } يلي أمرهم، { ولا نصيراً } ينصرهم. { سُنَّةَ الله التي قد خَلَتْ من قبل } مصدر مؤكد، أي: سنَّ الله غلبة أنبيائه سنة ماضية، وهو قوله:لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } [المجادلة: 21] { ولن تجد لسنة الله تبديلاً } تغيُّراً. { وهو الذي كفَّ أيديَهم عنكم } أي: أيدي كفار أهل مكة { وأَيْدِيَكم عنهم } عن أهل مكة { ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم } أي: أقدركم وسلَّطكم عليهم، يعني: قضى بينهم وبينكم المكافَّة والمحاجزة بعدما خوّلكم الظفر عليهم والغلبة، وذلك أن عكرمة بن أبي جهل خرج في خمسمائة إلى الحديبية، يطلب غرة بالمسلمين، فبعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم خالدَ بن الوليد على جند، فهزمهم، حتى أدخلهم حيطان مكة، ثم عاد ثانياً فهمزمه، ثم عاد فهزمه، هكذا نقله الثعلبي وغيره. فانظره مع ما في الاكتفاء للكلاعي: أن خالداً كان مع المشركين في الحديبية، وإنما أسلم بعد الحديبية قبل الفتح، وكان في السنة الثامة، والحديبية في السادسة، والذي ذكر النسفي أنه عليه السلام بعث مَن هزمهم، ولم يسمه، وهزمُ خالد لبعض قريش إنما كان في الفتح، لا في الحديبية، فلعل الراوي غلط. وقال أنس: إن ثمانين رجلاً من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من جبل التنعيم عند صلاة الفجر، عام الحديبية، ليقاتلوا المسلمين، فأخذهم النبي صلى الله عليه وسلم سِلْماً، فأعتقهم، فنزلت الآية. ووجه المنّة في كفّ أيدي المؤمنين عن الكافرين: ما ذكر بعد من قوله: { ولولا رجال مؤمنون }... الآية، أو: ما تطرق بسببه من الصلح وانقيادهم إليه، فإنهم لما رأوا أصحابهم انهزموا أذعنوا للصلح، وقال القشيري: بعد أن اضطرهم المسلمون إلى بيوتهم، أنزل الله هذه الآية يمنُّ عليهم، حيث كفّ أيديَ بعضهم عن بعض، عن قدرة من المسلمين، لا عن عجز، فأما الكفار فكفُّوا أيديهم رُعباً وخوفاً، وأما المسلمون فنهياً من قِبل الله، لما في أصلابهم من المؤمنين. هـ. { وكان الله بما تعملون } من مقاتلتهم وهزمهم أولاً، والكفّ عنهم ثانياً، لتعظيم بيته الحرام، وقرأ البصري بياء الغيب، أي: بما يعمل المشركون { بصيراً } فيجازي كُلاًّ بما يستحقه.

السابقالتالي
2 3