الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً } * { وَعَدَكُمُ ٱللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَـٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ ٱلنَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً } * { وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُواْ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً }

يقول الحق جلّ جلاله: { لقد رَضِي اللّهُ عن المؤمنين } وهم الذين ذكر شأن مبايعتهم بقوله: { إن الذين يبايعونك... } الآية، وبهذه الآية سميت بيعة الرضوان و " إذ " منصوب بـ " رَضِيَ " ، وصيغة المضارع لاستحضار الصورة العجيبة، و { تحت الشجرة }: متعلق به، أو: بمحذوف، حال من مفعوله، أي: رَضِيَ عنهم وقت مبايعتهم لك { تحت الشجرة } أو: حاصلاً تحتها. رُوي: أنه صلى الله عليه وسلم لمّا نزل الحديبية، بعث خِراش بن أمية الخزاعي، رسولاً إلى أهل مكة، فَهَمُّوا به، وأنزلوا عن بعيره، فمنعته الأحابيش، فلما رجع دعا بعُمر ليبعثه، فقال: يا رسول الله إني أخاف قريشاً على نفسي، وليس بمكة من بني عدي أحدٌ يمنعني، ولكن عثمان أعزّ بمكة مني، فبعث عثمان إلى أبي سفيان وأشراف قريش، يخبرهم أنه صلى الله عليه وسلم جاء زائراً إلى البيت، مُعظِّماً لحُرمته، ولم يُرد حرباً، فوقروه، وقالوا: إن شئت أن تطوف بالبيت فافعل، فقال: ما كنت لأطوف قبلَ أن يطوف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتبس عندهم، فأُرجِفَ بأنهم قتلوه، فقال صلى الله عليه وسلم: " لا نبرح حتى نناجز القوم " ودعا الناسَ إلى البيعة، فبايعوه تحت الشجرة – وكانت سمرة وقيل: سِدرة – على أن يُقاتلوا قريشاً، ولا يفرُّوا، وأول مَن بايع " أبو سنان الأسدي " ، واسمه: وهب بن عبد الله بن محصن، ابن اخي عكاشة بن مِحصن. وقيل: بايعوه على الموت عنده، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أنتم اليوم خير أهل الأرض " وقال أيضاً: " لا يدخل النارَ أحد ممن بايع تحت الشجرة " وكانوا ألفاً وخمسمائة وخمسةً وعشرين، وقيل: ألفاً وأربعمائة. والحديبية بتخفيف الياء، قاله في المصباح، وهي على عشرة أميال من مكة. { فعَلِمَ ما في قلوبهم } من الإخلاص، وصدق الضمائر فيما بايعوا عليه. وقال القشيري: عِلِمَ ما في قلوبهم من الاضطراب والتشكيك، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم رأى في منامه أنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين، فبشّر أصحابه، فلمام صُدُّوا خامر قلوبَهم شكٌّ، { فأنزل } اللّهُ { السكينةَ عليهم } أي: اليقين والطمأنينة، فذهب عنهم. ثم قال: وفي الآية دليلٌ على أنه قد يخطر ببال الإنسان خواطر مشكِّكة، وفي الرَّيب مُوقعة، ثم لا عبرة، فإن الله تعالى إذا أراد بعبده خيراً ألزم التوحيد قلبَه، وقارن التحقيق سِرَّه، فلا يضرُّه كيدُ الشيطان. قال تعالى:إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ... } [الأعراف: 201]الآية. { فأنزل السكينة عليهم } أي: الطمأنينة والأمن، وسكون النفس، بالربط على قلوبهم، { وأثابهم } أي: جازاهم { فتحاً قريباً } وهو فتح خيبر عقب انصرافهم من الحديبية كما تقدّم. { ومغانمَ كثيرةً يأخذونها } وهي مغانم خيبر، وكانت أرضاً ذات عقار وأموال، فقسمها بينهم، { وكان الله عزيزاً } منيعاً فلا يغالب، { حكيماً } فيما يحكم به فلا يعارَض.

السابقالتالي
2 3