الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَضَرْبَ ٱلرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَآ أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّواْ ٱلْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَآءً حَتَّىٰ تَضَعَ ٱلْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَـٰكِن لِّيَبْلُوَاْ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ } * { وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } * { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُواْ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَٰلَهُمْ }

قلت: { فضَرْب }: مصدر، نائب عن فعله، مضاف إلى مفعوله، و { مَنّاً } و { فِدَاءً }: مصدران لمحذوف، و { الذين كفروا }: مبتدأ حُذف خبره، وهو العامل في المصدر، أي: والذين كفروا فأتعسهم تعساً، و { أضل أعمالهم }: عطف على الخبر المحذوف. يقول الحق جلّ جلاله: { فإِذا لقيتم الذين كفروا } في المحاربة { فَضَرْبَ الرقابِ } أصله: فاضربوا الرقاب ضرباً، فحذف الفعل وناب عن مصدره للاختصار، مع إعطاء معنى التوكيد، لدلالة نصبه على مؤكده، وضرب الرقاب عبارةٌ عن مطلق القتل، والتعبير به عن القتل تصوير له بأشنع صورة وتهويل لأمره، وإرشاد للغزاة إلى أيسر ما يكون، { حتى إِذا أَثخنتموهم } أكثرتم فيه القتل، وأغلظتموه، من: الشيء الثخين، وهو الغليظ، أو: أثقلتموهم بالجِراح وهزمتموهم، { فشُدُّوا الوَثاقَ } أي: فأسِروهم، وشُدوا وثاقهم، لئلا يتفلتوا، والوثاق بالفتح والكسر: ما يشد به. فإذا أسرتموهم فتخيّروا فيهم { وإِما فِدَاءً } أن تفدوا فداءً، والمعنى: التخيُّر بين الأمرين بعد الأسر، بين أن يَمُنُّوا عليهم فيطلقوهم، وبين أن يُفادوهم، ومذهب مالك: أن الإمام مُخَيَّر في الأسارى بين خمسة، وهي: المنّ، والفداء، والقتل، والاسترقاق، وضرب الجزية، وقيل: لا يجوز المَن ولا الفداء لأن الآية منسوخة بقوله:فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [التوبة: 5] فيتعين قتلهم، والصحيح أنها محكمة، ومَذْهَب الشافعي: أن الإمام مُخير بين أربعة: القتل، والاسترقاق، والفداء بأسارى المسلمين، والمنّ. ولعل الجزية عنده خاصة بأهل الكتاب. ومذهب أبي حنيفة: التخيير بين القتل والاسترقاق فقط، قال: والآية منسوخة لأن سورة براءة آخر ما نزل. وعن مجاهد: ليس اليوم مَنّ ولا فداء، والمراد بالمنّ في الآية. أن يمنّ عليهم بترك القتل، فيسترقوا، أو يمنّ عليهم بإعطاء الجزية. هـ. والمشهور: مذهب مالك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قتل عقبةَ بن أبي معيط، والنضر بن الحارث، يوم بدر صبراً، وفادى سائر الأسارى، ومَنَّ على ثمامة بن أثال الحنفي، وهو أسير، وارتق نساء بني قريظة، فابعهم، وضرب الجزية على نصارى نجران ومجوس هاجر. ثم ذكر غاية الحرب فقال: { حتى تضع الحربُ أوزارها } أي: اضربوا رقابهم حتى تضع الحرب أثقالها، وآلاتها، التي لا قوم إلا بها، كالسلاح والكراع، وذلك حيث لم يبقَ حرب، بأن تضع أهل الحرب عُدتها، وقيل: { أوزارها } آثامها، يعني: حتى يترك أهل الحرب المشركين شركهم، بأن يُسلموا جميعاً. والمختار: أن المعنى: أثخنوا المشركين بالقتل والأسر حتى يظهر الإسلام على سائر الأديان، ويؤمن أهل الكتاب، طوعاً أو كرهاً، ويكون الدين كله للّه، فلا يحتاج إلى قتال. وقال الحسن: معناه،: حتى لا يُعبد إلا الله. وقال ابن عطية: ظاهر اللفظ: أنها استعارة، يُراد بها التزام الأمر كذلك أبداً، كما تقول: أنا أفعل ذلك إلى يوم القيامة.

السابقالتالي
2 3