الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَلاَ تُبْطِلُوۤاْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ } * { فَلاَ تَهِنُواْ وَتَدْعُوۤاْ إِلَى ٱلسَّلْمِ وَأَنتُمُ ٱلأَعْلَوْنَ وَٱللَّهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ } * { إِنَّمَا ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلاَ يَسْأَلْكُمْ أَمْوَٰلَكُمْ } * { إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُواْ وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ } * { هَا أَنتُمْ هَـٰؤُلاَءِ تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَٱللَّهُ ٱلْغَنِيُّ وَأَنتُمُ ٱلْفُقَرَآءُ وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوۤاْ أَمْثَالَكُم }

يقول الحق جلّ جلاله: { يا أيها الذين آمنوا أطيعوا اللّهَ } فيما يأمركم به من الجهاد وغيره { وأطيعوا الرسولَ } فيما سنَّه لكم، { ولا تُبطلوا أعمالَكم } بما أبطل به هؤلاء أعمالهم من الكفر والنفاق، وغير ذلك من مفسدات الأعمال، كالعجب والرياء، والمن والأذى، وليس فيه دليل على إحباط الطاعات بالكبائر، خلافاً للمعتزلة، أو: لا تبطلوا أعمالكم بأن تقطعوها قبل تمامها. وبها احتجَ الفقهاء على وجوب إتمام العمل فأوجبوا على مَن شَرَعَ في نافلة إتمامها، وأخذُه عن الآية ضعيف لأن السياق إنما هو في إحباط العمل بالكفر، لقوله قبلُ: { وسيُحبط أعمالهم } ثم قال: { يا أيها الذين آمنوا } لا تكونوا كهؤلاء الذين أحبط الله أعمالهم بكفرهم وصدهم عن سبيل الله، ومشاقتهم الرسولَ، ويؤيده أيضاً: قوله تعالى: { إِن الذين كفروا وصَدُّوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر اللّهُ لهم } هذا عام في كل مَن مات على الكفر، وإن صحّ نزوله في أهل القليب. { فلا تَهِنُوا } لا تضعفوا عن الجهاد { وتدعوا إِلى السَّلْم } أي: لا تدعوا الكفار إلى الصلح والمسالمة فإن ذلك إعطاء الدنِيَّة - أي: الذلة - في الدين، ويجوز أن يكون منصوباً بإضمار " أن " في جواب النهي أي: لا تهنوا مع إعطاء السلم، { وأنتم الأَعْلَون } الأغلبون، { واللّهُ معكم } بالنصر والمعونة، ومَن كان غالباً ومنصوراً والله معه، لا يتصور منه إظهار الذلة والضراعة لعدوه، { ولن يَتِرَكُمْ أعمالكم } لن يضيعها، من: وترت الرجل: إذا قتلت له قتيلاً، من ولد أو أخ أو حميم، فأفردته منه، حتى صار وتراً، عبّر عن ترك الإثابة في مقابلة العمل بالوتر، الذي هو إضاعة شيء معتد به من الأنفس والأموال، مع أن الأعمال غير موجبة للثواب على قاعدة أهل السُنَّة، إبرازاً لغاية للطف، بتصوير الثواب بصورة الحق المستحق، وتنزيل ترك الإثابة منزلة إضاعة أعظم الحقوق وإتلافها، سبحانه من رب رحيم!. { إِنما الحياةُ لعبٌ ولهوٌ } لا ثبات لها، ولا اعتداد بها، فلا تُؤثروا حياتها الفانية على الحياة الأبدية بالموت في الجهاد الأصغر أو الأكبر، { وإِن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم } أي: ثواب إيمانكم وأعمالكم من الباقيات الصالحات، التي فيها يتنافس المتنافسون، { ولا يسألكم أموالَكمْ } بحيث يُخل أداؤها بمعايشكم، وإنما سألكم نزراً يسيراً هو ربع العشر، تؤدونه إلى فقرائكم. { إِن يسألكُمُوها } أي: جميع أموالكم { فيُحْفِكم } أي: يجهدكم بطلب الكُل، فالإحفاء والإلحاف: المبالغة في السؤال: وبلوغ الغاية، يُقال: أحفاه في المسألة: إذا لم يترك شيئاً من الإلحاح، وأحفى شاربه: استأصله، أي: إن يسألكم جميعها { تبخلوا } فلا تُعطوا شيئاً، { ويُخرجْ أضغانكم } أي: أحقادكم لأن عند سؤال المال يظهر الصادق من الكاذب، وضمير " لا يسألكم " وما بعدها للّه أو لرسوله.

السابقالتالي
2 3