الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ دَمَّرَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا } * { ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ مَوْلَى ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَأَنَّ ٱلْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَىٰ لَهُمْ } * { إِنَّ ٱللَّهَ يُدْخِلُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ ٱلأَنْعَامُ وَٱلنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ }

يقول الحق جلّ جلاله: { أفلم يسيروا } أي: أَقعدوا فلم يسيروا { في الأرض } يعني كفار مكة، { فينظروا كيف كان عاقبةُ الذين من قبلهم } من الأمم المكذبة؟ فإنّ آثار ديارهم تنبئ عن أخبارهم، فقد { دَمَّر اللَّهُ عليهم } فالجملة: استئناف مبني على سؤال، كأنه قيل: كيف كان عاقبتهم؟ فقيل: استأصل الله عليهم ما اختص بهم من أنفسهم وأهليهم وأموالهم، يُقال: دمّره أهلَكه، ودمّر عليه: أهلك عليه ما يختص به، قاله أبو السعود. وفي الصحاح: الدمار: الهلاك، دمّره تدميراً، ودمَّر عليه، بمعنى. هـ. فظاهرة: أن معناهما واحد، وفسره في الأساس بالهلاك المستأصل، وقال الطيبي: في دمّر عليهم تضمينُ معنى أطبقَ، فعُدي بعلى، ولذلك استأصل. هـ. { وللكافرين } أي: ولهؤلاء الكافرين السائرين بسيرَتِهم { أمثالُها } أي: أمثال تلك الهلكة المفهومة من التدمير، أو أمثال عواقِبهمْ أو عُقوبَاتهم، لكن لا على أنّ لهؤلاء أمثال ما لأولئك وأضعافَه بل مثله، وإنما جمع باعتبار مماثلته لعواقب متعددة، حسبما تعدّد الأمم المعذّبة، ويجوز أن يكون عذابُهم أشدّ من عذاب الأولين فقد قُتلوا وأُسروا بأيدي مَن كانوا يستخفونهم ويستضعفونهم، والقتل بيد المثل أشد ألماً من الهلاك بسبب عام، وقيل: دمَّر اللّهُ عليهم في الدنيا، ولهم في الآخرة أمثالُها. { ذلك } أي: نصرُ المؤمنين وهلاكُ الكافرين في الحال أو المآل { بأنَّ اللّهَ مولى الذين آمنوا } أي: ناصِرُهم ومعِزَّهُم { وأنَّ الكافرين لا مولى لهم } فيدفع عنهم ما حَلّ بهم من العقوبة، ولا يخالف هذا قوله:ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ } [الأنعام: 62] لأن المولى هناك بمعنى المالك. { إِن الله يُدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناتِ تجري من تحتها الأنهارُ } وهذا بيان لحكم ولاية الله لهم وثمرتها الأخروية، { والذين كفروا يتمتعون } في الدنيا بمتاعِها أياماً قلائل، { ويأكلون } غافلين عن عَواقبهم، غير متفكرين فيها { كما تأكل الأنعامُ } في مسارحها، غافلة عما هي بصدده من النحر والذبح، فالتشبيهُ بالأنعام صادقٌ بالغفلةِ عن تدبير العاقبة، وعن شكر المنعِم، وبعدم التمييز للمُضر من غيره، كأكل الحرام وعدم تَوَقيه، وكذا كونُه غير مقصورٍ على الحاجة، ولا على وقتها، وسيأتي في الإشارة إن شاء الله. { والنارُ مثوىً لهم } أي: منزلُ ثوَاه وإقامته، والجملةُ إما حال مقدرةٌ من واو { يأكلون } ، أو استئناف. الإشارة: تفكُّر الاعتبار يكون في أربعة، الأول: في سرعة ذهاب الدنيا وانقراضها، كأضغاث أحلام، وكيف غرَّت مَن انتشب بها، وأخذته في شبكتها، حتى قدِم على الله بلا زاد، وكيف دَمّر اللّهُ على أهل الطغيان، واستأصل شأفتهم، فيُنتج ذلك التشمير والتأهُّب ليوم الجزاء. الثاني: في دوام دار البقاء، ودوام نعيمها، فينتهز الفرصة في العمل الصالح،. الثالث: في النِعَم التي أنعم الله بها على عباده، الدنيوية والأخروية، الحسية والمعنوية، قال تعالى:

السابقالتالي
2