الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَىٰ أَن يُحْيِـيَ ٱلْمَوْتَىٰ بَلَىٰ إِنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَىٰ ٱلنَّارِ أَلَيْسَ هَـٰذَا بِٱلْحَقِّ قَالُواْ بَلَىٰ وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ }

قلت: { ولم يَعْيَ } حال من فاعل " خلق " ، يُقال: عَي، كرضَى، وَعِيَ بالإدغام، وهو أكثر. قاله في الصحاح. وفي القاموس: عَيَّ بالأمر وعَيِيَ كرَضِيَى، وتَعايا واسْتَعيا وتَعَيَّا: لم يهتدِ لوجه مُراده، أو عَجَزَ عنه ولم يُطِقْ إحْكَامه. هـ. و { بقادر } خبر " أن " ، ودخلت الباء لاشتمال النفي الذي في صدر الآية على " أنّ " وما في حيّزها، قال الزجاج: لو قلت: ما ظنت أنَّ زيداً بقائم، جاز. يقول الحق جلّ جلاله: { أَوَ لَمْ يَرَوا } أي: ألم يتكّفروا ولم يعلموا علماً جازماً { أنَّ الله الذي خلق السماوات والأرض } ابتداء من غير مثال يحتويه، ولا قانون يحتذيه، { و } الحال أنه { لم يَعْيَ بخلقهن } أي: لم يتعب ولم ينصب بذلك أصلاً، ولم يعجز عنه، أليس مَن فعل ذلك { بقادرٍ على أن يحيي الموتى بلى } جواب النفي، أي: بلى هو قادر على ذلك، { إِنه على كل شيء قديرٌ } تقرير للقدرة على وجه عام، ليكون كالبرهان على المقصود. ثم ذكر عقاب مَن أنكر البعث المبرهن عليه، فقال: { و } اذكر { يوم يُعرض الذين كفروا على النار } فيقال لهم: { أليس هذا بالحق } فالإشارة إلى ما يُشاهدونه من فظيع العذاب، وفيه تهكُّم بهم، وتوبيخ لهم، على استهزائهم بوعد الله تعالى ووعيده، ونفيه بقوله: " وما نحن بمعذبين " ، { قالوا } في جواب الملائكة: { بلى وربَّنا } إنه لحق، أكدوا جوابهم بالقسم كأنهم يطمعون في الخلاص بالاعتراف بحقيقتهما كما في الدنيا، وأنَّى لهم ذلك؟ { قال } تعالى لهم: { فذُوقوا العذابَ بما كنتم تكفرون } بها في الدنيا، ومعنى الأمر: الإهانة بهم والتوبيخ لهم، نعوذ بالله من موارد الهوان. الإشارة: تربية اليقين تطلب في أمرين، حتى يكونا كرأي العين: وجود الحق أو شهوده، وإيتان الساعة وقربها، حتى تكون نُصب العين، وتقدّم حديث حارثة شاهداً على إيمانه، حيث قال: " وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون... " الحديث. ثم أمر بالصبر على ما يسمع من الكفرة، في إمكان البعث وغيره، فقال: { فَٱصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُواْ ٱلْعَزْمِ }.