قلت: { فيما } موصولة، أو موصوفة، ومفعول { اتخذوا } الأول: محذوف، و { آلهة } مفعول ثان، أي: اتخذوهم آلهة، و { قرباناً } حال، ولا يصح أن يكون مفعولاً ثايناً لـ " اتخذوا " ، و " آلهة ": بدل، لفساد المعنى، وأجازه ابن عطية، ووجه فساده: أن اتخاذهم آلهة منافٍ لاتخاذهم قرباناً لأن القربان مقصود لغيره، والآلهة مقصود بنفسها، فتأمله، و " إن " نافية، والأصل: فيما ما مكنكم فيه، ولمّا كان التكرار مستثقلاً جيء بأن، كما قالوا في مهما، والأصل: مَا مَا، فلبشاعة التكرار قلبوا الألف هاء، وقيل: " إن " صلة، أي: في مثل ما مكنكم فيه، والأول أحسن. يقول الحق جلّ جلاله: { ولقد مكَّنَّاهم } أي: قررنا عاد ومكناهم في التصرُّف { فيما } أي: في الذي، أو في شيء ما { مكناكم } يا معشر قريش { فيه } من السعة والبسطة، وطول الأعمار، وسائر مبادئ التصرفات، فما إغنى عنهم شيء من ذلك، حين نزل بهم الهلاك، وهذا كقوله تعالى:{ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِى الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَكُمْ } [الأنعام: 6] أو: ولقد مكنهم في مثل ما مكنكم فيه، فما جرى عليهم يجري عليكم، حيث خالفتم نبيكم، والأول أوفق بقوله:{ كَانُواْ هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَءَاثَاراً فِى الأَرْضِ } [غافر: 21] وقوله:{ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً } [مريم: 74]. { وجعلنا لهم سمعاً وأبصاراً وأفئدةً } أي: آلات الإدراك والفهم، ليعرفوا بكل واحدة منها ما خلقتْ له، وما نيطت به معرفته، من فنون النعم، ويستدلوا بها شؤون منعمها، ويداوموا على شكرها، ويوحدوا خالقها،، { فما أغنى عنهم سمعُهم } حيث لم يستعملوه في استماع الوحي ومواعظ الرسل، { ولا أبصارهم } حيث لم يُبصروا ما نصب من الآيات الدالة على وحدانيته تعالى ووجوب وجوده، { ولا أفئدتهم } حيث لم يتفكّروا بها في عظمة الله تعالى وأسباب معرفته، فما أغنت عنهم { من شيء } أي: شيئاً من الإغناء. و { من } زائدة للتأكيد، وقوله: { إِذ كانوا يجحدون بآيات الله } ظرف لقوله: { فما أغنى } جارٍ مجرى التعليل، لاستواء مؤدّي التعليل والظرف في قولك: ضربته إذ أساء، أو: لإساءته، لأنك إذا ضربته وقت إساءته فإنما ضربته فيه لوجود إساءته فيه، وكذلك الحال في " حيث " دون سائر الظروف غالباً، أي: فما أغنت عنهم آلات الإدراك لأجل جحودهم بآيات الله. { وحاق } أي: نزل { بهم ما كانوا به يستهزؤون } من العذاب الذي كانوا يستعجلونه بطريق الاستهزاء، ويقولون: { فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين }. { ولقد أهلكنا ما حولَكم من القرى } يا أهل مكة، كحِجر ثمود، وقرى لوط، والمراد: أهل القرى، ولذلك قال: { وصرَّفنا الآياتِ } كرّرناه، { ولعلهم يرجعون } أي: كرّرنا عليهم الحجج وأنواع العِبر لعلهم يرجعون من الطغيان إلى الإيمان، فلم يرجعوا فأنزلنا عليه العذاب.