الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِٱلأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتِ ٱلنُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّيۤ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { قَالَ إِنَّمَا ٱلْعِلْمُ عِندَ ٱللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَّآ أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَـٰكِنِّيۤ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضاً مُّسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُواْ هَـٰذَا عَارِضٌ مُّمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا ٱسْتَعْجَلْتُم بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْقَوْمَ ٱلْمُجْرِمِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { واذكر أخا عاد } وهو هود عليه السلام { إِذا أنذر قومه } بدل اشتمال أي: وقت إنذاره قومه { بالأحقاف } جمع حِقْف، وهو رمل مستطيل فيه انحناء، من: احقوقف الشيء إذا اعوجَّ، وكان عاد أصحاب عُمُد، يسكنون بين رمال مُشرفة على البحر، بأرض يُقال لها: " الشِّحْر " بأرض اليمن. وعن ابن عباس: الأحقاف: واد بين عُمان ومَهْرَة، وقال مقاتل: كانت منازل عاد باليمن، في حضرموت، بموضع يقال له: مَهْرة، وإليه تنسب الإبل المهرية، ويقال لها: المهاري، وكانوا أهل عمد سيارة في الربيع، فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم، وكانوا من قبيلة إِرَم، والمشهور: أن الأحقاف اسم جبل ذا رمل مستطيل، كانت منازل عاد حوله. { وقد خَلَتْ النُذر } جميع نذير، بمعنى النذر، أي: مضت الرسل، { من بين يديه ومن خلفه } أي: من قبل هود ومَن بعده، وقوله: { وقد خلت.. } الخ: جملة معترضة بين إنذار قومه وبين قوله: { ألاَّ تعبدوا إلا اللّهَ } مؤكدة لوجوب العمل بموجب الإنذار، وإيذاناً باشتراكهم في العبادة المذكورة، والمعنى: واذكر لقومك إنذار هود قومَه عاقبةَ الشرك والعذاب العظيم، وقد أنذر مَن تقدمه مِن الرسل، ومَن تأخر عنه قومهم قبل ذلك. { إني أخاف عليكم } إن عصيتموني { عذابَ يومٍ عظيم } يوم القيامة. { قالوا أجئتنا لتأفكَنَا } لتصرفنا { عن آلهتنا } عن عبادتها، { فأْتنا بما تَعِدُنا } من العذاب العظيم { إن كنت من الصادقين } في وعدك بنزوله بنا، { قال إِنما العلمُ } بوقت نزوله، أو بجميع الأشياء التي من جملتها ذلك، { عند الله } وحده، لا علم لي بوقت نزوله، ولا دخل لي في إيتانه وحلوله، وإنما عِلْم ذلك عند الله، فيأتيكم به في وقته المقدّر له. { وأُبلغكم ما أُرسلت به } من التخويف والإنذار من غير وقف على تعيين وقت نزول العذاب، { ولكني أراكم قوماً تجهلون } حيث تقترحون عليَّ ما ليس من وظائف الرسل، من الإتيان بالعذاب وتعيين وقته. رُوي: أنهم قحطوا سنين، ففزعوا إلى الكعبة، وقد كانت بنتها العمالقة، ثم خربت، فطافوا بها، واستغاثوا، فعرضت لهم ثلاث سحابات: سوداء وحمراء وبيضاء، وقيل لهم: اختاروا واحدة، فاختاروا السوداء، فمرتْ إلى بلادهم، فلما رأوها مستقبلة أوديتهم، فرحوا واستبشروا، وهذا معنى قوله تعالى: { فلما رَأَوْهُ } أي: العذاب الذي استعجلوه بقوله: { فأتنا بما تعدنا } وقيل: الضمير مبهم، يُفسره قوله: { عارضاً } على أنه تمييز، أي: رأوا عارضاً، والعارض: السحاب، سُمي به لأنه يعرض السحاب في أُفق السماء. قال المفسرون: ساق الله السحابة السوداء التي اختاروها بما فيها من النقمة، فخرجت عليهم من واد يُقال له: " مغيث " ، فلما رأوها مستقبلة أوديتهم، أي: متوجة إليها، فرحوا، وقالوا: { هذا عارض مُمطرنا } أي: ممطر إياناً، لأنه صفة النكرة، فيقدر انفصاله.

السابقالتالي
2