الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ووصينا الإِنسانَ } بأن يُحسن { بوالديه حُسناً } وقرأ أهل الكوفة { إحساناً } وهما مصدران، وقرئ: " حَسَناً " بفتح الحاء والسين، أي: يفعل بهما فعلاً حَسَناً، أو: وصينا إيصاءً حَسَاناً، { حملته أُمه كُرْهاً ووضعته كُرهاً } أي: حملته بكُرْهٍ ومشقة، ووضعته كذلك، وذكره للحث على الإحسان والبرور بها، فإن الإحسان إليها أوجب، وأحق من الأب، ونصبهما على الحال، أي: حملته كارهة، أو: ذات كُره، وفيه لغتان الفتح والضم، وقيل: بالفتح مصدر، وبالضم اسمه. { وحَمْلُه وفِصَالُه } أي: ومدةُ حمله وفصاله، وهو الفطام. وقرأ يعقوبُ: " وفصله " وهما لغتان كالفَطْم والفطام، { ثلاثون شهراً } لأن في هذه المدة عُظَّم مشقة التربية، وفيه دليل على أن أقل مدة ستةُ أشهر لأنه إذ حُط منه لفطام حولان، لقوله تعالى:حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ } [البقرة: 233] يبقى للحمل ستة، قيل: ولعل تعيين أقل مدة الحمل، وأكثر مدة الرضاع لانضباطهما، وارتباطِ النسب والرضاع بهما. { حتى إِذا بلغ أشُدَّه } أي: اكتهل، واستحكم عقله وقوته، وانتهت قامته وشبابه، وهي ما بين ثماني عشرة سنة إلى أربعين، وقال زيد بن أسلم: الحلم، وقال قتادة: ستة وثلاثون سنة، وهو الراجح، وقال الحسن: قيام الحجة عليه. { وبلغ أربعين سنة } وهو نهاية الأشدّ، وتمام العقل، وكمال الاستواء. قيل: لم يُبعث نبيّ إلا بعد الأربعين، قال ابن عطية: وإنما ذكر تعالى الأربعين، لأنها حدّ الإنسان في فلاحه ونجاته، وفي الحديث " إن الشيطان يمدّ يده على وجه مَن زاد على الأربعين ولم يتب، فيقول: بأبي وَجْهٌ لايُفلح " هـ. ومن حديث أنس قال صلى الله عليه وسلم: " مَن بلغ أربعين سنة أمّنه الله من البلايا لثالث: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين خفّف الله عنه الحساب، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة كما يُحب، فإذا بلغ سبعين سنة غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وشفع في أهل بيته، وناداه منادٍ من السماء: هذا أسير الله في أرضه " وهذا في العبد المقبل على الله. والله تعالى أعلم. وقُرئ: " حتى إذا استوى وبلغ أشُدَّه ". { قال ربِّ أوزعني } أي: ألهمني { أن أشكر نعمتك التي أنعمتَ عليَّ } من الهداية والتوحيد، والاستقامة على الدين، { وعلى والديَّ } كذلك، وجمع بين شكر النعمة عليه وعلى والديه لأن النعمة عليهما نعمةٌ عليه، { وأنْ أعمل صالحاً ترضاه } التنكير للتفخيم والتكثير، قيل: هو الصلوات الخمس، والعموم أحسن، { وأَصْلِحْ لي في ذُريتي } أي: واجعل الصلاة سارياً في ذريتي راسخاً فيهم، أو: اجعل ذريتي مَوقعاً للصلاح دائماً فيهم، { إِني تُبتُ إِليك } من كل ذنب، { وإِني من المسلمين } الذين أخلصوا لك أنفسهم، وانقادوا إليك بكليتهم.

السابقالتالي
2 3