الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { تَنزِيلُ ٱلْكِتَابِ مِنَ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } * { إِنَّ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لأيَٰتٍ لِّلْمُؤْمِنِينَ } * { وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَآبَّةٍ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } * { وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَآ أَنَزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَّن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ ءَايَٰتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } * { تِلْكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِٱلْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ ٱللَّهِ وَءَايَٰتِهِ يُؤْمِنُونَ }

قلت: { واختلاف الليل والنهار... } الآية فيها العطف على عاملين، سواء نصبت " آيات " أو رفعتها، فالعاملان إذا نصبت " إن " و " في " أقيمت الواو مقامهما، فعملت الجر في { واختلاف } والنصب في { آيات } ، وإذا رفعت فالعاملان الابتداء، وحرف " في " عملت الواو الرفع في " آيات " والجرّ في " واختلاف " وهذا مذهب الأخفش، فإنه يُجوِّز العطفَ على عاملين، وأما سيبويه فلا يُجيزه، وتخريج الآية عنده: أن يكونَ على إضمار " في " ، والذي حسّنه: تقديم ذكر " في " الآيتين قبله، ويؤيده: قراءة ابن مسعود رضي الله عنه { وفي اختلاف الليل والنهار } وفيها أوجه أُخر. يقول الحق جلّ جلاله: { حمۤ } يا حبيب يا مجيد هذا { تنزيلُ الكتاب من الله العزيز الحكيم } فكونه من الله عزّ وجل دلّ أنه حق وصدق وصواب، وكونه من العزيز دلَّ أنه معجز،، يَغلِب ولا يُغلب، وكونه من الحكيم دلّ أنه مشتمل على الحِكَم البالغة، وأنه محكَم في نفسه، يَنسِخ ولا يُنْسَخ. ثم برهن على عزته، وباهر حكمته، فقال: { إِنَّ في خلق السماوات والأرض } إِما في نفس السماوات والأرض فإن في شكلهما من بدائع وفنون الحِكَم ما يقصر عنه البيان، وإما في خلقهما وإظهارهما، كما في قوله تعالى:إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } [آل عمران: 190] { لآياتٍ للمؤمنين } لدلالاتٍ على وحدانيته تعالى لأهل الإيمان، وهو الأوفق بقوله: { وفي خلقِكم } أي: من نطفة ثم من علقة متقلبة من أطوار مختلفة إلى تمام الخلق، { وما يَبُتُّ من دابةٍ } عطف على المضاف دون المضاف إليه، أي: وفي خلق ما يبث، أي: ينشر ويُصرّف من دابة { آياتٌ } ظاهرة على باهر قدرته وحكمته، { لقومٍ يُوقنون } أي: من شأنهم أن يوقنوا بالأشياء على ما هي عليه، ويعرفوا فيها صانعها، { وفي اختلاف الليل والنهار } أي: تعاقبهما بالذهاب والمجيء، أو: تفاوتهما طولاً، وقصراً، { و } في { ما أنزل اللّهُ من السماءِ مِن رزقٍ } مطر لأنه سبب الرزق، فعبَّر عن السبب بالمسبب لأنه نتيجته، تنبيهاً على كونه آية من جهة القدرة والرحمة، { فأحيا به الأرضَ } بأن أخرج أصناف الزرع والثمرات والنبات { بعد موتها } أي: خلُوها عن آثار الحياة وانتفاء قوة التنمية عنها، وخُلوا أشجارها عن الثمار والأزهار. { وتصريفِ الرياح } أي: هبوبها من جهة إلى أخرى، ومن حال إلى حال، وتأخيره عن نزول المطر مع تقدمه عليه في الوجود، إما للإيذان بأنه آية مستقلة، ولو روعي الترتيب الوجودي لربما توهم أن مجموع تصريف الرياح ونزول المطر آية واحدة، أو: لأن كون التصريف آية ليس مجرد كونه مبتدأ لإنشاء المطر، بل له ولسائر المنافع، التي من جملتها: سوق السفن في البحار، وإلقاح الأشجار، { آياتٌ لقوم يعقلون } يتدبّرون بعقولهم، فيصلون إلى صريح التوحيد.

السابقالتالي
2 3