الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ } * { فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } * { أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ } * { رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } * { رَبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ } * { لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ } * { بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { حم } يا محمد { و } حق { الكتاب المبين } الواضح البيِّن، وجواب القسم: { إِنا أَنزلناه } أي: الكتاب الذي هو القرآن { في ليلة مباركةٍ } ليلة القدر، أو ليلة النصف من شعبان، والجمهور على الأول، لقوله:إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [القدر: 1] وقوله:شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ } [البقرة: 185]، وليلة القدر على المشهور في شهر رمضان، وسيأتي الجمع بينهما. ثم قيل: أنزله جملة من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، ثم نزل به جبريل نجوماً، على حسب الوقائع، في ثلاث وعشرين سنة، وقيل: معنى نزوله فيها: ابتداء نزوله. والمباركة: الكثيرة الخير لما ينزل فيها من الخير والبركة، والمنافع الدينية والدنيوية، ولو لم يوجد فيها إلا إنزال القرآن لكفى به بركة. { إِنا كنا منذِرينَ } استئناف مبين لما يقتضي الإنزال، كأنه قيل: إنا أنزلناه لأن من شأننا الإنذار والتحذير من العقاب، { فيها يُفرَقُ كلُّ أمرٍ حكيم } استئناف أيضاً مبين لسر تخصيص هذه الليلة بالإنزال، أي: إنما أنزلناه في هذه الليلة المباركة، لأنها فيها يُفرق كل أمر حكيم، أي: ذي حكمة بالغة، ومعنى " يُفرق ": يفصل ويكتب كل أمر من أرزاق العباد وآجالهم وجميع أمورهم، من هذه الليلة إلى ليلة القدر المستقبلة، وقيل: الضمير في " فيها " يرجع لليلة النصف، على الخلاف المتقدم. وروى أبو الشيخ، بسند صحيح، عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله: { يمحو الله ما يشاء ويثبت } قال: " ليلة النصف من شعبان، يُدبر أمر السنة، فيمحو ما يشاء ويُثبت غيره الشقاوة والسعادة، والموت والحياة ". قال السيوطي: سنده صحيح لا غُبار عليه ولا مطعن فيه. هـ. وروي عن ابن عباس: قال: إن الله يقضي الأقضية كلها ليلة النصف من شعبان، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر. وفي رواية: ليلة السابع والعشرين من رمضان، قيل: وبذلك يرتفع الخلاف أن الأمر يبتدأ في ليلة النصف من شعبان، ويكمل في ليلة السابع والعشرين من رمضان. والله أعلم. وقوله تعالى: { حكيم } الحكيم: ذو الحكمة، وذلك أن تخصيص الله كل أحد بحالة معينة من الرزق والأجل، والسعادة والشقاوة، في هذه الليلة، يدلّ على حكمة بالغة فأسند إلى الليلة لكونها ظرفاً، إسناداً مجازياً. وقوله: { أمراً من عندنا } منصوب على الاختصاص، أي: أعني بهذا الأمر أمراً حاصلاً من عندنا، على مقتضى حكمتنا، وهو بيان لفخامته الإضافية، بعد بيان فخافمته الذاتية، ويجوز أن يكون حالاً من كل أمر لتخصيصه بالوصف، { إِنا كنا مرسِلين } بدل من { إنا كنا منذرِين }. و { رحمةً من ربك } مفعول له، أي: أنزلنا القرآن لأن من عادتنا إرسال الرسل باكتب لأجل إفاضة رحمتنا. ووضع الرب موضع الضمير، والأصل: رحمة منا للإيذان بأن ذلك من أحكام الربوبية ومقتضياتها، وإضافته إلى ضميره صلى الله عليه وسلم لتشريفه وفخامته.

السابقالتالي
2 3