الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ } * { فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ } * { يَلْبَسُونَ مِن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَقَابِلِينَ } * { كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } * { يَدْعُونَ فِيهَا بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ } * { لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا ٱلْمَوْتَ إِلاَّ ٱلْمَوْتَةَ ٱلأُولَىٰ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ ٱلْجَحِيمِ } * { فَضْلاً مِّن رَّبِّكَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } * { فَٱرْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُّرْتَقِبُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { إِنَّ المتقين في مقامٍ } بضم الميم: مصدر، أي: في إقامة حسنة، وبالفتح: اسم مكان، أي: في مكان كريم، وأصل المقام، بالفتح: موضع القيام، ثم عمّم واستعمل في جميع الأمكنة، حتى قيل لموضع القعود: مقام، وإن لم يقم فيه أصلاً، ويقال: كنا في مقام فلان، أي: مجلسه، فهو من الخاص الذي وقع مستعملاً في معنى العموم، وقوله: { أمين } وصف له، أي: يأمن صاحبُه الآفات والانتقال عنه، وهو من الأمن ضد الخيانة، وصف به المكان مجازاً، لأن المكان المخيف يخون صاحبه بما يلقى فيه من المكاره. وقوله: { في جنات وعُيون } بدل من " مقام " جيء به دلالة على نزاهته واشتماله على طيبات المآكل والمشارب، { يلبسون من سُندس } وهو ما رقَّ من الديباج، { وإِستبرقِ } ما غلظ منه، وهو مُعرّب، والجملة إما حال، أو استئناف، حال كونهم { متقابلين } في مجالسهم، يستأنس بعضهم ببعض، { كذلك } أي: الأمر كذلك، قيل: المعنى فيه أنه لم يستوفِ الوصف، وأنه بمثابة ما لا يحيط به الوصف، فكأنه قال: الأمر نحو ذلك وما أشبهه، وليس بعين الوصف وتحققه. { وزوجناهم بحُور عِينٍ } أي: قرنّاهم وأصحبناهم، ولذلك عُدي بالباء. قال القشيري: وليس في الجنة عقد نكاح ولا طلاق، بل تمكن الوليّ من هذه الألطاف بهذه الأوصاف هـ. والحور: جمع حَوْراء، وهي الشديدة سواد العين، والشديدة بياضها، والعين: جمع عيناء، وهي الواسعة العَين، واختلف في أنها نساء الدنيا أو غيرها. { يَدْعون فيها بكل فاكهةٍ } أي: يطلبون ويأمرون بإحضار ما يشتهونه من الفواكه، لا يختص بزمان ولا مكان، { آمنين } من زواله وانقطاعه، ومن ضرره عند الإكثار منه، أو: من كل ما يسوءهم، { لا يذوقون فيها الموتَ } أصلاً، بل يستمرون على الحياة الأبدية، { إِلا الموتَة الأولى } سوى الموتة الأولى، التي ذاقوها، أو: لكن الموتة الأولى قد ذاقوها في الدنيا، فالاستثناء منقطع، أو متصل على أن المراد استحالة ذوق الموت إلا إذا كان يمكن ذوق الموتة الأولى حينئذ، وهو محال، على نمط قوله:إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [النساء: 22]. { ووقاهم } ربهم { عذابَ الجحيم فضلاً من ربك } أي: أعطوا ذلك كله عطاءً وتفضُّلا منه تعالى إذ لا يجب عليه شيء، فهو مفعول له، أو مصدر مؤكد لِما قبله، لأن قوله: { وقاهم } في معنى تفضل عليهم، { ذلك هو الفوز العظيم } الذي لا فوز وراءه إذ هو خلاص من جميع المكاره، ونيل لكل المطالب. { فإِنما يسَّرناه } أي: الكتاب، وقد جرى ذكره في أول السورة، أي: سهَّلنا قراءته { بلسانك } بلغتك { لعلهم يتذكرون } أي: كي يفهموه ويتعظوا به، ويعملوا بموجبه، فلم يفعلوا، { فارتقبْ } فانظر ما يحلّ بهم، { إِنهم مرتَقِبون } ما يحلُّ بك.

السابقالتالي
2