الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱرْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٍ مُّبِينٍ } * { يَغْشَى ٱلنَّاسَ هَـٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { رَّبَّنَا ٱكْشِفْ عَنَّا ٱلْعَذَابَ إِنَّا مْؤْمِنُونَ } * { أَنَّىٰ لَهُمُ ٱلذِّكْرَىٰ وَقَدْ جَآءَهُمْ رَسُولٌ مُّبِينٌ } * { ثُمَّ تَوَلَّوْاْ عَنْهُ وَقَالُواْ مُعَلَّمٌ مَّجْنُونٌ } * { إِنَّا كَاشِفُواْ ٱلْعَذَابِ قَلِيلاً إِنَّكُمْ عَآئِدُونَ } * { يَوْمَ نَبْطِشُ ٱلْبَطْشَةَ ٱلْكُبْرَىٰ إِنَّا مُنتَقِمُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { فارتقبْ } فنتظر { يوم تأتي السماءُ بدُخان مبين } قال عليّ وابن عباس وابن عمر والحسن رضي الله عنهم: هو دخان يجيء قبل يوم القيامة، يُصيب المؤمن منه مثل الزكام، ويُنضج رؤوسَ المنافقين والكافرين، حتى تكون كأنها مصليَّة حنيذة، وتكون الأرض كلها كبيت أُوقد فيه نار، ليس فيه خِصاص، ويؤيد هذا حديث حذيفة: " أول الآيات الدخان، ونزول عيسى، ونار تخرج من عدن، تسوق الناس إلى الحشر، تقيل معهم إذا قالوا... " الحديث، انظر الثعلبي. وأنكر هذا ابن مسعود، وقال: هذا الدخان قد رأته قريش حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم بسبع كسبع يوسف، فكان الرجل يرى من الجوع دخاناً بينه وبين السماء. ويؤيده ما يأتي بعده. وقوله: { مبين } أي: ظاهر لا يشك أحد أنه دخان، { يغشى الناسَ } أي: يحيط بهم، حتى كان الرجلُ يُحدّث الرجلَ، ويسمع كلامه، ولا يراه من الدخان، أي: انتظر يوم شدة ومجاعة فإن الجائع يرى بينه وبين السماء كهيئة الدخان، إما لضعف بصره، أو لأن عام القحط يُظلِم الهواء لقلة الأمطار، أو كثرة الغبار، { هذا عذابٌ أليم } أي: قائلين هذا عذاب أليم. ولما اشتد بهم القحط، مشى أبو سفيان، ونفر معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الله تعالى والرحم، وواعدوه إن دعا لهم، وكشف عنهم، أن يؤمنوا، وذلك قوله تعالى: { ربنا اكشف عنا العذاب إِنا مؤمنون } أي: سنؤمن إن كُشف عنا العذاب، قال تعالى: { أنَّى لهم الذكرَى } أي: كيف يذَّكرون ويتَّعظون ويَفُون بما وعدوه من الإيمان عند كشف العذاب، { وقد جاءهم رسول مبين } أي: والحال أنهم يُشاهدون من دواعي التذكير وموجبات الاتعاظ، ما هو أعظم منه، حيث جاءهم رسول عظيم لشأن، بيِّن البرهان، يُبين لهم مناهج الحق بإظهار آيات ظاهرة، ومعجزات قاهرة، تخرّ لها صُمّ الجبال. { ثم تَولوا عنه } أي: عن ذلك الرسول، بعدما شاهدوا من العظائم ما يوجب الإبال عليه، ولم يقنعوا بالتولِّي، بل اقترفوا ما هو أشنع، { وقالوا } في حقه عليه السلام: { مُعَلَّمٌ مجنون } أي: قالوا تارة مُعَلَّم يُعلمه غلام أعجمي لبعض ثقيف، وتارة مجنون، أو: يقول بعضهم كذا، وبعضهم كذا، وكيف يتوقع من قوم هذه صفتهم أن يتأثروا بالعظة والتذكير؟! قال تعالى: { إِنا كاشفوا العذاب قليلاً } أي: زمناف قليلاً، أو كشفاً قليلاً، { إِنكم عائدون } إلى الكفر، الذي أنتم فيه، أو: إلى العذاب بعد صرف الدخان، على القول الأول، { يوم نبطشِ البطشةَ الكبرى } يوم بدر، أو يوم القيامة، { إِنا منتقمون } أي: ننتقم منهم في ذلك اليوم. وانتصاب { يوم نبطش } باذكر أو بما دلّ عليه { إنا منتقمون } ، وهو ننتقم، لا بمنتقمون، لأن ما بعد " إن " لا يعمل فيما قبله.

السابقالتالي
2