الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ } * { يٰعِبَادِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمُ ٱلْيَوْمَ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ مُسْلِمِينَ } * { ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ } * { يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلأَنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { وَتِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِيۤ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { لَكُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِّنْهَا تَأْكُلُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { الأخلاءُ يومئذ بعضُهُم لبعضٍ عدو } أي: المتحابون في الدنيا على الأمور الذميمة متعادون يوم القيامة، يبغض بعضهم بعضاً، فتنقطع في ذلك اليوم كل خُلة كانت لغير الله، وتنقلب عدواة ومقتاً لانقطاع سببها، وهو الاجتماع على الهوى، { إِلا المتقين } أي: الأخلّة المصادقين في الله، فإنها الخُلة الباقية لأن خُلتهم في الدنيا لمَّا كانت لله، وفي الله، بقيت على حالها لأن ما ان لله دام واتصل، وما كان لغير الله انقطع وانفصل، بل تزداد خُلتهم بمشاهدة كل واحد منهم بركة خُلتهم من الثواب، ورفع الدرجات. وسُئل صلى الله عليه وسلم: مَن أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟ فقال: " المتحابون في الله " ، وخرَّج البزار عن ابن عباس رضي الله عنه قيل: يا رسول الله! أَيُّ جُلَسَائِنا خيرٌ؟ قال: " مَن ذكَّرَكُم بالله رؤيتُه، وزاد في عَمَلِكم مَنطِقُه وذكَّركُمْ بالله عِلمُه ". ومن كلام الشيخ أبي مدين رضي الله عنه: دليل تخليطك صحبتك للمخلطين، ودليل انقطاعك إلى الله صحبتك للمنقطعين. هـ. في سماع العتبية: قال مالك: لا تصحبْ فاجراً لئلا تتعلَّم من فجور، قال ابن رُشد: لا ينبغي أن يُصحب إلا مَن يُقتدى به في دينه وخيره لأن قرين السوء يُردي، قال الحكيم:
عَن المرْءِ لا تَسْأَلْ وسَلْ عن قَرِينه فَكُلُّ قَرِينِ بالمُقارِنِ مُقْتَد   
وفي الحديث: " المَرْءُ على دينِ خَليله " وسيأتي، في الإشارة بقية الكلام على المتحابين في الله. ويقال لهم حينئذ، تشريفاً لهم، وتطييباً لقلوبهم: { يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } ، ثم وصفهم أو مدحهم بقوله: { الذين آمنوا بآياتنا } صدّقوا بآياتنا التنزيلية، { وكانوا مسلمين } منقادين لأحكامنا، مخلصين وجوههم لنا، وعن مقاتل: " إذا بعث الناس، فزع كل أحد، فينادي منادٍ: { يا عبادي لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون } فيرجوها الناس كلهم، فيتعبها الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين، فيُنكِّس أهل الأديان الباطلة رؤوسَهم ". ثم يقول لهم: { ادخلوا الجنةَ أنتم وأزواجُكم } نساؤكم المؤمنات { تُحْبرون } تُسرّون سروراً يظهر حُباره - أي: أثره - على وجوهكم أو: تُزَينون، من: الحبرة وهو حسن الهيئة، أو: تُكرَمون إكراماً بليغاً، وتتنعمون بأنواع النعيم. والحبرة: المبالغة فيما وصف بجميل وتقدّم في قوله:فِى رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ } [الروم: 15] أنه السماع. { يُطاف عليهم بصِحَافٍ من ذهب } أي: بعد دخولهم الجنة حسبنا أمروا به { وأكوابٍ } من ذهب حذف لدلالة ما قبله. والصِحَاف: جمع صحفة، قيل: هي كالقصعة، وقيل: أعظم القصاع، فهي ثلاث: الجفنة، ثم القصعة، ثم الصحفة، والأكواب: جمع كوب، وهو كوز مستدير لا عروة له. وفي حديث أبي هريرة، عنه صلى الله عليه وسلم قال:

السابقالتالي
2 3 4 5