الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا ضُرِبَ ٱبْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ } * { وَقَالُوۤاْ ءَأَ ٰلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ } * { إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { وَلَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَا مِنكُمْ مَّلاَئِكَةً فِي ٱلأَرْضِ يَخْلُفُونَ } * { وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلاَ تَمْتَرُنَّ بِهَا وَٱتَّبِعُونِ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } * { وَلاَ يَصُدَّنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ولما ضُرب ابنُ مريمَ مثلا } ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ على قريش:إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ } [الأنبياء: 98] الآية، فغضبوا، فقال ابن الزِّبَعْرى: يا محمد! أخاصة لنا ولآلهتنا، أم لجميع الأمم؟ فقال عليه الصلاة والسلام: " هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم " ، فقالوا: ألست تزعم أن عيسى [نبي]، يُثنى عليه وعلى أمّه خيراً، وقد علمت أنَّ النصارى يعبدونهما؟ وعزيز يُعبد، والملائكة يُعبدون، فإن كان هؤلاء في النار، فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرحوا، وضحكوا، وسكت النبيُّ انتظاراً للوحي. وفي رواية: فقال لهم صلى الله عليه وسلم: " إنما عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك " وقال لابن الزبعرى: " ما أجهلك بلغة قومك، أَمَا فهمت أن " ما " لِما لا يعقل، فهي خاصة بالأصنام " ، فأنزل الله:إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى... } [الأنبياء: 101] الآية. ونزلت هذه الآية. والمعنى: ولما ضرب ابن الزبعرى عيسى { ابن مريم مثلاً } لآلهتهم، وجادل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبادة النصارى إياه { إِذا قومُك } قريش { منه } أي: من هذا المثل { يَصِدُّون } ترتفع لهم جلبة وضجيج، فرحاً وضحكاً، فهو من: الصديد، وهو الجلبة ورفع الصوت، ويؤيده: تعديته بمَن، ولو كان من الصدود لقال: " عنه " ، وقرئ بالكسر والضم، وقيل: هما لغتان، كيعكِفُون ويعكُفُون ويعرِشون ويعرُشُون، وقيل: بالكسر معناه: الصديد، أي: الضجيج والضحك، وبالضم معناه: الإعراض، فيكون من الصدود، أي: فهم من أجل هذا المثل يعرضون عن الحق، أي: يثبتون على ما كانوا عليه من الإعراض، أو يزدادون. { وقالوا آلهتُنا خيرٌ أَمْ هو } يعني أن آلهتنا عندك ليست بخير من عيسى، فإذا كان عيسى من حصب جهنم كان أمر آلهتنا هيناً. أو: فإذا كان عيسى في النار، فلا بأس بكوننا مع آلهتنا فيها. قال تعالى: { ما ضربوه لك إِلا جَدَلا } أي: ما ضربوا لك ذلك المثل إلا لأجل الجدال والخصام، لا لطلب الحق حتى يذعونا له عند ظهوره، { بل هم قوم خَصِمُونَ } أي: لُدّاً، شِدَاد الخصومة، مجبولون على اللجاج، وذلك أن الآية إنما قصدت الأصنام، بدليل التعبير بـ " ما " ، إلا أن ابن الزبعرى حدا عنه لمّا رأى كلام الله تعالى محتملاً لفظُه للعموم، مع علمه بأن المراد به أصنامهم، وجد للحيلة مساغاً، فصرف اللفظ إلى الشمول والإحاطة بكل معبود غير الله، على طريق اللجاج والجدال والمكابرة، وتوقَّح في ذلك، فصمت عنه صلى الله عليه وسلم حتى أجاب عنه ربه. وقيل: لما سمعوا قوله تعالى:إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ... } [آل عمران: 59] الآية، قالوا: نحن أهدى من النصارى، لأنهم عبدوا آدمياً، ونحن نعبد الملائكة، فنزلت.

السابقالتالي
2 3