الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يٰقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِيۤ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { أَمْ أَنَآ خَيْرٌ مِّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } * { فَلَوْلاَ أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَآءَ مَعَهُ ٱلْمَلاَئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } * { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَاسِقِينَ } * { فَلَمَّآ آسَفُونَا ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ } * { فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِّلآخِرِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ونادى فرعونُ } ، إما بنفسه، أو: أمر مَن ينادي، كقولك: قطع الأميرُ اللصّ. والظاهر أنه نادى بنفسه، { في قومه } في مجمعهم وفيما بينهم، بعد أن كشف العذاب عنهم، مخافة أن يؤمنوا، { قال يا قوم أليس لي مُلكُ مِصرَ وهذه الأنهارُ } أنهار النيل، ومعظمها أربعة: نهر الملك، ونهر طولون، ونهر دمياط، ونهر تييس، { تجري من تحتي } تحت سريري لارتفاعه، أو: بين يدي في جناتي وبساتيني. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: نيل مصر سيد الأنهار، سخّر الله له كل نهر بين المشرق والمغرب، فإذا أراد الله أن يجريه أمر الأنهار فأمدته بمائها، وفجّر له كل نهر عيوناً، فإذا انتهت جريته إلى ما أراد الله سبحانه أوحى إلى كل ماء أن يرجع إلى عنصره. قاله في الاكتفاء. ومهبطه من جبل القمر، وقيل: أصله من الجنة، والله تعالى أعلم. وحدُّ مصر: من بحر الإسكندرية إلى أسوان، بطول النيل. والأنهار المذكورة هي الخلجان الكبار، الخارجة من النيل. وعن عبد الله بن طاهر: أنه لما ولي مصر خرج إليها، فلما شارفها، قال: أهي القرية التي افتخر بها فرعون، حتى قال: { أليس لي ملك مصر }؟ والله لهي أقلّ عندي من أن أدخلها، فثنى عنانه. وعن هارون الرشيد: أنه لما قرأها، قال: والله لأولينّها أخسَّ عبيدي، فولاها الخُصَيْب، وكان خادم وُضوئه. { وهذه الأنهارُ }: إما عطف على " ملك مصر " ، فـ " تجري ": حال منها، أو: واو الحال، فـ " هذه " مبتدأ، و " الأنهار ": صفتها و " تجري ": خبر، { أفلا تُبصرون } قوتي وسلطاني، مع ضعف موسى وقلة أتباعه. أراد بذلك استعظام ملكه وترغيب الناس في اتباعه. ثم قال: { أم أنا خير } مع هذه المملكة والبسْطة { مِن هذا الذي هو مَهينٌ } أي: ضعيف حقير، من: المهانة، وهي القلة. { ولا يكاد يُبينُ } الكلام لما به من اللثة. قاله افتراء عليه عليه السلام، وتنقيصاً له في أعين الناس، باعتبار ما كان في لسانه عليه السلام. وقد كانت ذهبت عنه، لقوله تعالى:قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُوؤْلَكَ يَا مُوسَى } [طه: 36]. والهمزة للتقرير، كأنه قال إثر ما عدّد من أسباب فضله، ومبادئ خيريته: أثبت عندكم واستقر لديكم أني أنا خير، وهذه حال، مِن هذا. وإما متصلة، والمعنى: أفلا تبصرون أم تبصرون؟ فوضع قوله: { أما أنا خير } موضع " تُبصرون " لأنهم إذا قالوا: أنت خير فهم عنده بُصَراء. وهذا من باب تنزيل السبب منزلة المسبب. انظر أبا المسعود. { فلولا أُلْقِيَ عليه أسَاوره من ذهب } أي: فهلاَّ أُلقي عليه مقاليد الملك إن كان صادقاً، لأنهم كانوا إذا سوّدوا رجلاً سوّروه بسوار، وطوّقوه بطوق من ذهب.

السابقالتالي
2