الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَـٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُم بِآيَاتِنَآ إِذَا هُم مِّنْهَا يَضْحَكُونَ } * { وَمَا نُرِيِهِم مِّنْ آيَةٍ إِلاَّ هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { وَقَالُواْ يَٰأَيُّهَ ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } * { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ولقد أرسلنا موسى بآياتنا } أي: متلبساً بآياتنا { إِلى فرعون وملَئِه فقال إِني رسولُ رب العالمين } فأجابوه بقولهم: { فأتنا بآية إن كنت من الصادقين } كما صرّح به في آية أخرى. { فلما جاءهم بآياتنا إِذا هم منها يضحكون } يسخرون منها، ويهزؤون، ويسمُّونها سحراً. و " إذا " للمفاجأة، وهو جواب " لمّا " ، لأن فعل المفاجأة معها مقدّر، وهو العامل في " إذا " ، أي: لما جاءهم فاجؤوا وقت ضحكهم منها، أي: استهزؤوا بها أول ما رأوها، ولم يتأملوا فيها. { وما نُرِيهم من آيةٍ } من الآيات { إِلا هي أكْبرُ من أُختها } قرينتها، وصاحبتها التي كانت قبلها، أي: ما ظهر لهم آية إلا وهي بالغة أقصى مراتب الإعجاز، بحيث يجزم كل مَن ينظر إليها أنها أكبر من كل ما يُقاس بها من الآيات. والمراد: وصف الكل بغاية الكِبرَ من غير ملاحظة قصور في شيء منها، قال النسفي: وظاهر النظم يدلّ على أن اللاحقة أعظم من السابقة، وليس كذلك، بل المراد بهذا الكلام: أنهن موصوفات بالكبر، كما يقال: هما أخوان، كلّ منهما أكبر من الآخر. هـ. وقال في الانتصاف: الظاهر: أن كل آية إذا أُفردت استغرقت الفكر وبهرته، حتى يجزم أنها النهاية، وأنَّ كل آية دونها، فإذا نقل الفكر إلى الأخرى كانت كذلك. وحاصله: أنه لا يقدر الفكر أن يجمع بين آيتين، لتتميز الفاضلة من المفضولة. هـ. { وأخذناهم بالعذاب } وهو ما قال تعالى:وَلَقَدْ أَخَذْنَآ ءَالَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّنَ الثَّمَرَاتِ } [الأعراف: 130]،فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ... } [الأعراف: 133] الآية. { لعلهم يرجعون } لكي يرجعوا عما هم عليه من الضلال. { وقالوا يا أيُّه الساحِرُ } ، كانوا يقولون للعالِم: إنما هو ساحر لتعظيمهم علم السحر، أو: نادوه بذلك في مثل تلك الحالة لغاية عتوهم ونهاية حماقتهم وقرأ الشامي بضم الهاء، لاتباع حركة ما قبلها حين سقطت الألف، { ادْعُ لنا ربك } يكشف عنا العذاب { بما عَهِدَ عندك } أي: لعهده عندك بأن دعوتك مستجابة، أو: بما عهد عندك من النبوة والجاه، أو: بما عهد من كشف العذاب عمن اهتدى، { إِننا لمهتدون } مؤمنون أن كشف عنا بدعوتك، كقوله:لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ } [الأعراف: 134]، { فلما كشفنا عنهم العذاب } بدعوته { إِذا هم يَنكُثُون } ينقضون العهد، أي: فاجؤوا وقت نكث عهدهم بالاهتداء. وقد مرَّ تمامه في الأعراف. الإشارة: قد ظهرت الآيات على الأنبياء والرسل، فلم ينتفع بها إلا مَن سبقت له العناية، وكذلك ظهرت الكرامات على أيدي الأولياء الداعين إلى الله، فلم ينتفع بها إلا مَن سبق له التقريب والاصطفاء. على أن الصادق في الطلب لا يحتاج إلى ظهور كرامة، بل إذا أراد الله أن يوصله إليه وصله إلى وَليّ من أوليائه، فطوى عنه وجود بشريته، وأشهده سر خصوصيته، فخصع له من غير توقف على كرامة ولا آية. وأما مَن لم يسبق له التقريب إذا رأى ألف آية ضحك منها واستهزأ، ورماها بالسحر والشعوذة، والعياذ بالله من البُعد والطرد. ثم ذكر عتو فرعون وطغيانه، فقال: { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ }.