الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ لَوْ شَآءَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ } * { بَلْ قَالُوۤاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّهْتَدُونَ } * { وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } * { قَٰلَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَىٰ مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ قَالُوۤاْ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُكَذِّبِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وقالوا لو شاء الرحمنُ } عدم عبادتنا للملائكة { ما عبدناهم } ، أرادوا بذلك بيان أن ما فعلوه مَرْضِي عنده تعالى، ولولا ذلك ما خلّى بينهم وبينها، ويُجاب: بأنه تعالى قد يخلي بين العبد ومعصيته، لينفذ فيه ما سبق من درك الوعيد. وتعلقت المعتزلة بظاهر الآية في أن الله تعالى لم يشأ الكفر من الكفار، وإنما شاء الإيمان، فإنّ الكفار ادّعوا أن الله شاء منهم الكفر، وما شاء منهم ترك عبادة الأصنام، حيث قالوا: { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } أي: لو شاء بنا أن نترك عبادة الأصنام لمَنَعَنَا عن عبادتها، لكنه لم يشأ ذلك. والله تعالى ردّ عليهم قولهم، واعتقادهم، بقوله: { ما لهم بذلك } القول { من علم إِن هم إِلا يَخْرُصُون }: يكذبون، ومعنى الآية عندنا: أنهم أرادوا بالمشيئة: الرضا، وقالوا: لو لم يرضَ بذلك لعجّل عقوبتنا، ولمَنعنا من عبادتها مع قهر واضطرار، وإذ لم يفعل ذلك فقد رضي بذلك، فردَّ الله عليهم بقوله: { ما لهم بذلك من علم... } الآية. أو: قالوا هذا القول استهزاء، لا جدّاً واعتقاداً، فأكذبهم وجهّلهم حيث لم يقولوه اعتقاداً، كما قالوا:أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَآءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ } [يس: 47]. وهذا كلام حق أرادوا به باطلاً: انظر النسفي. قلت: ما تمسّكوا به من قوله: { لو شاء الرحمن ما عبدناهم } من الاحتجاج بالقدر، وهو لا ينفع هذه الدار، لأنه من التمسُّك بالحقيقة الخالية عن الشريعة، وهي بطالة وزندقة، ولذلك ردّهم الله تعالى إلى التمسُّك بالشريعة بقوله: { أم آتيناهم كتاباً مِن قبله } من قبل القرآن، أو: من قبل ادعائهم ذلك، ينطق بصحة ما يدّعونه، { فهم به مسْتَمْسِكون } آخذون. { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أُمّةٍ } على دين وقلّدناهم. والأمّة في الأصل: الطريقة التي تؤمّ وتُقصد { وإِنا على آثارهم مُقتدون } أي: لم يأتوا بحجة نقلية ولا عقلية، ولا سند لهم سوى تقليد آبائهم الجهلة مثلهم. والظرف: صلة لمهتدون، أو: هما خبران. { وكذلك ما أرسنا من قبلك في قريةٍ من نذيرٍ } من نبيّ { إِلا قال مُترفوها } أي: منغّموها، وهم الذين أترفتهم النعمة، أي: أبطرتهم، فلا يُحبون إلا الشهوات والملاهي، ويعافون مشاقَّ الدين وتكاليفه، قالوا: { إِنا وجدنا آباءنا على أُمةٍ وإِنا على آثارهم مقتدون } ، وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم، وبيان أن التقليد فيهم ضلالٌ قديم. وتخصيص المترفين بتلك المقالة للإذيان بأن التنعُّم بالشهوات، وحب البطالة، هو الذي صرفهم عن النظر إلى التقليد. { قُلْ } ، هو حكاية لما جرى بين المنذرين وبين أممهم، عند تعللهم بتقليد آبائهم، أي: قيل لكل نذير وأوحي إليه: أن قُلْ، وليس خطاباً لنبينا - عليه الصلاة والسلام - بدليل ما بعده من قوله: { قالوا.

السابقالتالي
2