الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ } * { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } * { وَإِنَّهُ فِيۤ أُمِّ ٱلْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { أَفَنَضْرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكْرَ صَفْحاً أَن كُنتُمْ قَوْماً مُّسْرِفِينَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { حم } يا محمد، { و } حق { الكتابِ المبين } أي: المبين لِما أنزل عليهم، لكونه بلغتهم، وعلى أساليبهم، أو: الموضّح لطريق الهدى من الضلالة، أو: المبيّن لكل ما تحتاج إليه الأمة في أبواب الديانة. وجواب القسم: { إِنا جعلناه قرآناً عربياً } بلغتكم { لعلكم تعقلون } أي: جعلنا ذلك الكتاب قرآناً عربياً لكي تفهموه، وتُحيطوا بما فيه من النظم الرائق، والمعنى الفائق، وتقفوا على ما تضمّنه من الشواهد القاطعة بخروجه عن طوق البشر، وتعرفوا حق النعمة في ذلك، فتنقطع أعذاركم بالكلية. { وإِنه في أُمّ الكتاب لدْينَا } أي: وإن القرآن العظيم مثبت عند الله في اللوح المحفوظ، دليله قوله تعالى:بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَّجِيدٌ فِى لَوْحٍ مَّحْفُوظِ } [البروج: 21، 22]. وسُمِّي أمّ الكتاب لأنه أصل الكتب السماوية، منه تُنقل وتُنسخ. وقوله تعالى: { لَعَلِيٌّ } خبر { إن } أي: إنه رفيع القدر بين الكتب، شريف المنزلة لكونه معجزاً من بينها. أو: في أعلى طبقات البلاغة. { حيكمٌ } ذو حكمة بالغة. أو: محكم، لا ينسخه كتاب. وبعدما بيَّن علو شأنه، وبيَّن أنه أنزله بلغتهم ليعلموه، ويؤمنوا به، ويعملوا بما فيه، عقَّبَ ذلك بإنكار أن يكون الأمر بخلافه، فقال: { أفَنَضرِِبُ عنكم الذِكرَ } أي: ننحيه ونُبعده. والضرب: مجاز، من قولهم: ضرب الغرائب عن الحوض. وفيه إشعار باقتضاء الحكمة توجيه الذكر إليهم، وملازمته لهم، كأنه يتهافت عليهم ثم يضربه عنهم. والفاء: للعطف على محذوف أي: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر { صَفْحاً } أي: إعراضاً، مصدر، من: صفَح عنه: إذا أعرض، منصوب على أنه مفعول له، على معنى: أفنعزل عنكم إنزال القرآن، وإلزام الحجة به إعراضاً عنكم. ويجوز أن يكون مصدراً مؤكداً لما دلّ عليه " نضرب " لأنه في معنى الصفح، كأنه قيل: أفنفصح صفحاً { أن كنتم قوماً مسرفين } ، أي: لأن كنتم منهمكين في الإسراف، مصرّين عليه لأن حالكم اقتضى تخيلتكم وشأنكم، حتى تموتوا على الكفر والضلالة، فتبقوا في العذاب الخالد، لكن بسعة رحمتنا لا نفعل ذلك، بل نهديكم إلى الحق، بإرسال الرسول الأمين، وإنزال الكتاب المبين. ومَن قرأ بالكسر فشرط حُذف جوابه لدلالة ما قبله عليه، وهو من الشرط الذي يصدرُ عن الجازم بصحة الأمر، كما يقول الأجير: إن كنتُ عملتُ لك فوفّني حقي، وهو عالم بذلك. وعبّر بـ " أن " إخراجاً للمحقق مخرج المشكوك لاستهجالهم، كأن الإسراف من حقه ألا يقع. الإشارة: { حم } أي: حببناك، ومجدناك، وملكناك، وحق الكتاب المبين. ثم استأنف فقال: { إنا جعلناه } أي: ما شرفناك به أنت وقومك { قرآناً عربياً } يفهمه مَن يسمعه { لعلكم تعقلون } عن الله، فتشكروا نعمه. { وإنه في أُمّ الكتاب } أي: وإن الذي شرفناكم به في أُمّ الكتاب.

السابقالتالي
2