الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ ٱللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِن وَرَآءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَآءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ } * { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } * { صِرَاطِ ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِلَى ٱللَّهِ تَصِيرُ ٱلأُمُورُ }

يقول الحق جلّ جلاله: { وما كان لبشرٍ } أي: ما صحّ لأحد من البشر { أن يُكلمه اللهُ } بوجه من الوجوه { إِلا وَحْياً } إلهاماً، كقوله عليه الصلاة السلام: " ألقي في رُوعي " أو: رؤيا في المنام لقوله صلى الله عليه وسلم: " رؤيا الأنبياء وحي " كأمر إبراهيم عليه السلام بذبح الولد، وكما أوحي إلى أم موسى، رُوي عن مجاهد: " أَوحى اللهُ الزبورَ إلى داود عليه السلام في صدره ". { أو من وراءِ حجابٍ } بأن يسمع كلاماً من الله، من غير رؤية السامع مَن يكلمه، كما سمع موسى عليه السلام من الشجرة، ومن الفضاء في جبل الطور، وليس المراد به حجاب الله تعالى على عبده حساً إذ لا حجاب بينه وبين خلقه حساً، وإنما المراد: المنع من رؤية الذات بلا واسطة. { أو يُرسلَ رسولاً } أو: بأن يرسل مَلَكاً { فيُوحيَ } الملَكُ { بإِذنه } بإذن الله تعالى وتيسيره { ما يشاءُ } من الوحي. وهذا هو الذي يجري بينه تعالى وبين أنبيائه في عامة الأوقات. روي: أن اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تكلم الله، وتنظر إليه إن كنت نبياً، كما كلمة موسى، ونظر إليه؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " لم ينظر موسى إلى الله تعالى " فنزلت. والذي عليه جمهور المحققين أن نبينا عليه الصلاة والسلام رأى ربه ليلة المعراج، وكلّمه مشافهة، وعليه حمل البيضاوي قوله تعالى: { إِلا وحياً } لأن الوحي هو: الكلام الخفي، المدرك بسرعة، أعم من أن يكون مشافهة أو غيرها. قال الطيبي: وإذا حمل الوحي على ما قاله البيضاوي، وأنه المشافهة، المعنى بقوله:فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَآ أَوْحَى } [النجم: 10] اتجه ترتيب الآية، وأنه ذكر أولاً الكلام بلا واسطة، بل مشافهة، وهو حال نبينا صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر ما كان بغير واسطة، ولكن لا بمشافهة، بل من وراء الغيب، ثم ذكر الكلام بواسطة الإرسال. هـ. بالمعنى. { إِنه عَلِيٌّ } متعال عن صفات المخلوقين، لا يتأتى جريان المفاوضة بينه تعالى وبينهم إلا بأحد الوجوه المذكورة، ولا تكون المكافحة إلا بالغيبة عن حس البشرية، { حيكمٌ } يُجري أفعاله على سنن الحكمة، فيكلم تارة بواسطة، وأخرى بدونها، مكافحة، أو غيرها. { وكذلك } أي: ومثل ذلك الإيحاء البديع كما وصفنا { أوحينا إِليك روحاً من أمرنا } وهو القرآن، الذي هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان، فحييت الحياة الأبدية. { ما كنت تدري } قبل الوحي { ما الكتابُ } أيّ شيء هو، { ولا الإِيمانُ } بما في تضاعيف الكتاب من الأمور التي لا تهتدي إليها العقول، لا الإيمان بما يستقل به العقل والنظر، فإنَّ دِرايتَه صلى الله عليه وسلم مما لا ريب فيه قطعاً. قال القشيري: ما كنت تدري قبل هذا ما القرآن ولا الإيمان بتفصيل هذه الشرائع.

السابقالتالي
2