الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ وَتَرَى ٱلظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُاْ ٱلْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَىٰ مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ } * { وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ إِنَّ ٱلظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ } * { وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ } * { ٱسْتَجِيبُواْ لِرَبِّكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ } * { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ ٱلإِنسَانَ كَفُورٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ومَن يُضْلِل اللهُ فَما له من وليٍّ من بعده } أي: فما له من أحد يلي هدايته من بعد إضلال الله إياه، ويمنعه من عذابه. { وترى الظالمين } يوم القيامة، وهم الذين أضلّهم الله، { لَمَّا رَأَوا العذاب } حين يرون العذاب، وأتى بصيغة الماضي للدلالة على تحقيق الوقوع، { يقولون هل إِلى مَرَدٍّ } رجعة إلى الدنيا { من سبيل } حتى نُؤمن ونعمل صالحاً. { وتراهم يُعرضون عليها } على النار، يدلّ عليها ذكر العذاب. والخطاب لكل مَن يتأتى منه الرؤية { خاشعين من الذل } متذللين متضائلين مما دهاهم، فالخشوع: خفض البصر وإظهار الذل، { ينظرون } إلى النار { من طَرْفٍ خَفِيٍّ } ضعيف بمسارقة، كما ترى المصْبُور ينظر إلى السيف عند إرادة قتله. { وقال الذين آمنوا إِن الخاسرين الذين خسروا أنفسَهم وأهليهم } بالتعرُّض للعذاب الخالد { يومَ القيامة } ، و " يوم ": متعلق بخسروا. وقول المؤمنين واقع في الدنيا. ويقال، أي: يقولونه يوم القيامة، إذا رأوهم على تلك الصفة: { ألا إِن الظالمين في عذابٍ مقيم } دائم، { وما كان لهم من أولياء ينصرونهم } برفع العذاب عنهم { من دون الله } حسبما كانوا يرجون ذلك في الدنيا، { ومَن يُضلل اللهُ فما له من سبيلٍ } إلى النجاة. { استجيبوا لربكم } إلى ما دعاكم إليه على لسان نبيه، { من قبل أن يأتيَ يومٌ } أي: يوم القيامة { لا مردَّ له من اللهِ } أي: لا يرده الله بعد ما حكم بمجيئه، فـ " من " متعلق بـ " لا مرد " ، أو: بـ " يأتي " أي: من قبل أن يأتي من الله يوم لا يقدر أحد على رده، { ما لكم من ملجأ يومئذٍ } أي: مفر تلتجئون إليه، { وما لكم من نكيرٍ } أي: وليس لكم إنكار لما اقترفتموه لأنه مدوَّن في صحائف أعمالكم، وتشهد عليكم جوارحكم. { فإِنْ أعرضوا } عن الإيمان { فما أرسلناك عليهم حفيظاً } رقيباً، تحفظ أعمالهم، وتحاسبهم، { إِنْ عليك إِلا البلاغُ } ما عليك إلا تبليغ الرسالة، وقد بلغت، وليس المانع لهم من الإيمان عدم التبليغ، وإنما المانع: الطغيان وبطر النعمة، كما قال تعالى: { وإِنَّا إِذا أَذقنا الإِنسانَ منا رحمةً } أي: نعمة من الصحة، والغنى، والأمن، { فرح بها } وقابلها بالبطر، وتوصّل بها إلى المخالفة والعصيان. وأريد بالإنسان الجنس، لقوله تعالى: { وإِن تُصبهم سيئة } ، بلاء، من مرض، وفقر، وخوف، { بما قدمتْ أيديهمْ فإِنَّ الإِنسانَ كفورٌ } بليغ الكفر، ينسى النعمة رأساً، ويذكر البلية، ويستعظمها، بل يزعم أنها أصابته من غير استحقاق. وأفرد الضمير في فرح مراعاة للفظ، وجمعه في " تُصبهم " مراعاة للمعنى. وإسناد هذه الخصلة إلى الجنس مع كونها من خواص الجنس، لغلبتها فيهم. وتصدير الشرطية الأُولى بإذا، مع إسناد الإذاقة إلى نون العظمة للتنبيه على أن إيصال الرحمة محقق الوجود، كثير الوقوع، وأنه مراد بالذات، كما أن تصدير الثانية بأن، وإسناد الإصابة إلى السيئة، وتعليلها بأعمالهم للإيذان بندرة وقوعها، وأنها غير مرادة بالذات، " إن رحمتي سبقت غضبي ".

السابقالتالي
2