الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً فَإِن يَشَإِ ٱللَّهُ يَخْتِمْ عَلَىٰ قَلْبِكَ وَيَمْحُ ٱللَّهُ ٱلْبَاطِلَ وَيُحِقُّ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي يَقْبَلُ ٱلتَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُواْ عَنِ ٱلسَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } * { وَيَسْتَجِيبُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَٱلْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ }

يقول الحق جلّ جلاله: { أم يقولون } أي: بل أيقولون { افْتَرى } محمد { على اللهِ كذباً } في دعوة النبوة، أو القرآن؟ والهمزة للإنكار التوبيخي، كأنه قيل: أيمكن أن ينسبوا مثله ـ عليه الصلاة والسلام ـ للافتراء، لا سيما لعظم الافتراء، وهو الافتراء على الله، فإن الافتراء إنما يُسام به أبعد خلق الله، ومَن هو عرضة للختم والطبع، فالعجب ممن يفوه به في جانب أكرم الخلق على الله. { فإِن يشإِ يختمْ على قلبك } ، هذا استبعاد للافتراء على مثله لأنه إنما يجترىء على الله مَن كان مختوماً على قلبه، جاهلاً بربه، أمَّا مَن كان على بصيرة ومعرفة بربه، فلا، وكأنه قال: إن يشأ الله خذلانك يختم على قلبك، لتجترىء بالافتراء عليه، لكنه لم يفعل فلم تفتر. أو: فإن يشأ الله عدم صدور القرآن عنك يختم على قلبك، فلم تقدر أن تنطق بحرف واحد منه، وحيث لم يكن كذلك، بل تواتر الوحي عليك حيناً فحيناً تبين أنه من عند الله تعالى. وهذا أظهر. وقال مجاهد: إن يشأ يربط على قلبك بالصبر على أذاهم، وعلى قولهم: افترى على الله كذباً لئلا تدخله مشقة بتكذيبهم. هـ. { ويَمْحُ اللهُ الباطلَ ويُحِقُّ الحقَّ بكلماته } ، استئناف مقرر لنفي الافتراء، غير معطوف على " يختم " كما ينبىء عنه إظهار الاسم الجليل، وإنما سقطت الواو ـ كما في بعض المصاحف ـ لاتباع اللفظ، كقوله تعالى:وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ... } [الإسراء: 11] مع أنها ثابتة في مصحف نافع. قاله النسفي. أي: ومن شأنه تعالى أن يمحق الباطل، ويثبت الحق بوحيه، أو بقضائه، كقوله تعالى:بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ } [الأنبياء: 18]، فلو كان افتراء كما زعموا لمحقه ودمغه. أو: يكون عِدةً لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه تعالى يمحو الباطل الذي هم عليه، ويثبت الحق الذي هو عليه صلى الله عليه وسلم بالقرآن، أو بقضائه الذي لا مرد له بنصره عليهم، وقد فعل ذلك، فمحا باطلهم، وأظهر الإسلام. { إِنه عليم بذاتِ الصدور } أي: عليم بما في صدرك وصدورهم، فيجري الأمر على حسب ذلك من المحو والإثبات. { وهو الذي يقبل التوبةَ عن عباده }. يقال: قبلت الشيء منه: إذا أخذته منه، وجعلته مبدأ قبولك، وقبلتَه عنه، أي: عزلته وأبنته عنه. والتوبة: الرجوع عن القبيح بالندم، والعزم ألا يعود، ورد المظالم واجب غير شرط. قال ابن عباس: لما نزل. { قل لا اسألكم عليه أجراً... } الآية. قال قوم في نفوسهم: ما يريد إلا أن يحثنا على أقاربه من بعده، فأخبر جبريلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنهم قد اتهموه، وأنزل: { أم يقولون افترى على الله كذباً... } الآية، فقال القوم: يا رسول الله فإنا نشهد أنك صادق.

السابقالتالي
2 3