الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِيۤ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ كَبُرَ عَلَى ٱلْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ ٱللَّهُ يَجْتَبِيۤ إِلَيْهِ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِيۤ إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ } * { وَمَا تَفَرَّقُوۤاْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بِيْنَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُورِثُواْ ٱلْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ }

يقول الحق جلّ جلاله: { شَرَعَ } أي: بيَّن وأظهر { لكم من الذين ما وَصَّى به نوحاً } ومَن بعده مِن أرباب الشرائع، وأولي العزم من مشاهير الأنبياء عليهم السلام، وأمَرَهم به أمراً مؤكداً. وفي بيان نسبته إلى المذكورين تنبيه على كونه ديناً قديماً، أجمع عليه الرسل،على أن تخصيصهم بالذكر لِمَا ذكر من علو شأنهم، ولاستمالة قلوب الكفرة إليه لاتفاق الكل على نبوة جُلهم. قيل: خصّ نوحاً وإبراهيم بالوصية، ونبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بالوحي لأن متعلق الوصية غير الموصي، بل الموصى إليه به، ومتعلق الوحي: الموحى إليه بذاته، ولمَّا كان صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء جعل المُلقى إليه وحياً، ولمَّا كان ما قبله من الأنبياء متبعين له، ومنذِرين بشريعته، أنه سيظهر آخر الزمان نبي اسمه " محمد " ، كان ذلك وصية منهم لقومهم على الإيمان به. انظر ابن عرفة. قلت: والظاهر أنه تفنُّن، وفرار من تكرار لفظ الوحي إذ الموحى به هو قوله: { أنْ أقيموا الدِّين } وهو الذي أوحي إلى نبينا ـ عليه الصلاة والسلام ـ. وقال أبو السعود: والتعبير عن ذلك عند نسبته صلى الله عليه وسلم بـ " الذي " لتفخيم شأنه من تلك الحيثية، وإيثار الإيحاء على ما قبله وما بعده من التوصية لمراعاة ما وقع في الآيات المذكورة ـ يعني في صدر السورة ـ من قوله: { كذلك يُوحي إليك... } وفي آخرها من قوله: { وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا } ، ولِما في الإيحاء من التصريح برسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ القامع لإنكار الكفرة. والالتفات إلى نون العظمة إظهاراً لكمال الاعتناء بإيحائه، وهو السر في تقديمه على ما قبله مع تقدمه عليه زماناً. وتقديم وصية نوح عليه السلام للمسارعة إلى بيان كون المشروع لهم ديناً قديماً ـ أي: فلا ينبغي إنكاره ـ وتوجيه الخطاب إليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ بطريق التلوين للتشريف، والتنبيه على أنه تعالى شرع لهم على لسانه عليه الصلاة والسلام. هـ. ثم فسَّر ما وصاهم به فقال: { أنْ أقيموا الدينَ } أي: دين الإسلام، الذي هو توحيد الله تعالى، وطاعته، والإيمان بكتبه ورسله، وبيوم الجزاء، وسائر أركان الإيمان. والمراد بإقامته: تعليل أركانه، وحفظه من أن يقع فيه زيغ، والمواظبة عليه، والتشمير في القيام به. وموضع " أن أقيموا " إما: نصب، بدل من مفعول " شرع " ، أو: رفع، خبر جواب عن سؤال مقدَّر، كأن قائلاً قال: وما ذاك؟ فقال: هو إقامة الدين. { ولا تتفرقوا فيه } ولا تختلفوا في الدين، فالجماعة رحمة، والفرقة عذاب، والمراد: الاختلاف في الأصول، دون الفروع المختلفة حسب اختلاف الأمم باختلاف الأعصار، كما ينطق به قوله تعالى:

السابقالتالي
2