الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ حـمۤ } * { عۤسۤقۤ } * { كَذَلِكَ يُوحِيۤ إِلَيْكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكَ ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } * { لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَلِيُّ ٱلعَظِيمُ } * { تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ }

يقول الحق جلّ جلاله: { حم. عسق } يُشير ـ والله أعلم ـ بكل حرف إلى وصف يدلّ على تعظيم قدر حبيبه صلى الله عليه وسلم، فالحاء: أحبَبْنَاك، أو: حبيْناك، أي: أَعطيناك الملك والملكوت، والميم: ملَّكناك، والعين: عَلَّمناك ما لم تكن تعلم، أو: عيّناك للرسالة، والسين: سيّدناك، والقاف: قرّبناك. { كذلك يُوحِي إِليك } أي: كما خصصناك بهذه الخصائص العظام أوحينا إليك { وإِلى الذين مِن قبلك } ، فقد خصصناهم ببعض ذلك، وأوحينا إليهم، وفي ابن عطية: عن ابن عباس: أن هذه الحروف بأعيانها نزلت في كل كتب الله، المنزلة على كل نبيّ أُنزل عليه كتاب، ولذلك قال تعالى: { كذلك يُوحي إليك وإلى الذين من قبلك }. وقال القشيري: الحاء: مفتاح اسمه حكيم وحفيظ، والميم: مفتاح اسمه مالك وماجد ومؤمن ومهيمن، والعين: مفتاح اسمه عليم وعليّ، والسين: مفتاح اسمه سيد وسميع وسريع الحساب، والقاف: مفتاح اسمه قادر وقاهر وقريب وقدوس، أقسم الله تعالى بهذه الحروف أنه كذلك يُوحي إليك يا محمد. هـ. وقال ابن عطية: وإنما فصلت " حم عسق " ، ولم يفعل ذلك بـ " كهيعص " لتجري هذه مجرى الحواميم أخواتها. هـ. زاد النسفي: وأيضاً: هذه آيتان، و " كهيعص " آية واحدة. هـ. فانظره. { اللهُ } أي: يوحي الله { العزيزُ الحكيمُ }: فاعل " يُوحي " ، وقرأ ابن كثير بالبناء للمفعول. و " الله ": فاعل بمحذوف، كأن قائلاً قال: مَن المُوحِي؟ فقال: { الله العزيز الحكيم } أي: الغالب بقهره، الحكيم في صنعه وتدبيره. { له ما في السماوات وما في الأرض } مُلكاً وملِكاً، { وهو العليُّ } شأنه { العظيمُ } سلطانه وبرهانه. ثم بيّن عظمته، فقال: { يكادُ السماواتُ يتفطَّرْنَ من فوقهن } تتشققن من عظمة الله تعالى وعلو شأنه، يدلّ عليه مجيئه بعد قوله: { وهو العلي العظيم }. وقيلَ: من دعائهم له ولداً، كقوله:تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ } [مريم: 90] إلخ، ويؤيده: مجيء قوله:وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ } [الشورى: 6]. وقرأ البصريّ وشبعة: " ينفطرن " ، والأول أبلغ. ومعنى: { من فوقهن } أي: يبتدين بالانفطار من جهتهنّ الفوقانية. وتخصيصها على التفسير الأول لأن أعظم الآيات وأدلها على العظمة والجلال من تلك الجهة، وأيضاً: استقرار الملائكة إنما هو من فوق، فكادت تنشق من كثرة الثِقل، كما في الحديث: " أطَّت السماء، وحُقّ لها أن تَئطَّ، ما فيها موضع قدم إلا وفيها ملك راكع أو ساجد ". وعلى الثاني للدلالة على التفطُّر من تحتهن بالطريق الأولى لأن تلك الكلمة الشنعاء، الواقعة في الأرض حين أثرت في جهة الفوق فلأن تؤثر في جهة التحت أولى. وقيل: " من فوقهن ": من فوق الأرض، فالكناية راجعة إلى الأرض، من قوله: { له ما في السماوات وما في الأرض } لأنه بمعنى الأرضين.

السابقالتالي
2