الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَآ إِلَى ٱللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { وَلاَ تَسْتَوِي ٱلْحَسَنَةُ وَلاَ ٱلسَّيِّئَةُ ٱدْفَعْ بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } * { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَآ إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } * { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَٰنِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

يقول الحق جلّ جلاله: { ومَن أحسنُ قولاً ممن دعا إِلى اللهِ } أي: إلى الإقرار بربوبيته، والاستقامة على عبوديته، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من أمته، الدعاة إلى الله في كل عصر، أي: لا أحد أحسن قولاً ممن دعا إلى معرفة الله، { وعَمِل صالحاً } فيما بينه وبين ربه، بأن عمل أولاً بما دعا إليه، { وقال إِنني من المسلمين } تفاخراً بالإسلام، وابتهاجاً بأنه منهم، واتخاذ الإسلام ديناً، من قولهم: هذا قول فلان، أي: مذهبه لأنه يتكلم بذلك، أو: يقوله تواضعاً، أي: من جملة عامة المسلمين. { ولا تستوي الحسنةُ ولا السيئةُ } ، هذا بيان محاسن الأعمال الجارية بين العباد، إثر بيان محاسن الأعمال الجارية بين العبد وبين الرب ـ عزّ وجل ـ ترغيباً للدعاة إلى الله في الصبر على إذاية الخلق، لأن كل مَن يأمر بالحق يُؤذَى، فأُمروا بمقابلة الإساءة بالإحسان، أي: لا تستوي الخصلة الحسنة والخصلة السيئة، و لا: مزيدة، لتأكيد النفي، { ادفع بالتي هي أحسنُ } أي: ادفع السيئة التي اعترضتك من بعض أعدائك بالتي هي أحسن منها، وهي: أن تُحسن إليه في مقابلة إساءته، فالحسنة والسيئة متفاوتتان في أنفسهما، فخذ بالحسنة التي هي أحسن من أختها، وادفع بها السيئة، كما لو أساء إليك رجل، فالحسنة: أن تعفو عنه، والتي هي أحسن: أن تُحسن إليه مكان إساءته، مثل أن يذمك فتمدحه، ويحرمك فتعطيه، ويقطعك فتصله. وعن ابن عباس رضي الله عنه: التي هي أحسن: الصبر عند الغضب، والحلم عند الجهل، والعفو عند الإساءة. هـ. { فإِذا الذي بينك وبينه عداوةٌ كأنه وليٌّ حميم } أي: فإنك إن فعلت ذلك انقلب عدوك المشاقق مثل وليك الحميم الشفيق، مصافاة لك، وهذا صعب على النفوس، ولذلك قال: { وما يُلقاها إلا الذين صبروا } أي: ما يلقى هذه الخصلة التي في مقابلة الإساءة بالإحسان إلا أهل الصبر، { وما يُلقاها إِلا ذو حظ عظيم } من الله تعالى وسبق عنايته بكمال النفس وتهذيبها. وعن ابن عباس رضي الله عنه: الحظ العظيم: الثواب، وعن الحسن: والله ما عظم حظ دون الجنة. وقيل: نزلت في أبي سفيان بن حرب، كان عدوّاً مؤذياً للنبي صلى الله عليه وسلم فصار وليّاً مصافياً له، وبقيت عامة. { وإِما يَنزغنَّك من الشياطن نزغٌ } ، النزغ: شِبه النخس، والشيطان ينزغ الإنسان، كأنه ينخسه، يبعثه على ما لا ينبغي، وجعل النزغ نازغاً مجاز، كجدّ جدّه، والمعنى: وإن طرقك الشيطان على ترك ما وُصِّيْتَ به من الدفع بالتي هي أحسن، { فاستعِذْ بالله } من شرِّه، وامضِ على حلمك ولا تُطعه، { إِنه هو السميعُ } لاستعاذتك، { العليمُ } بنيتك وتعلقك به، أو: بنزغ الشيطان ووسوسته. وهو تعليم لأمته صلى الله عليه وسلم إذ كان شيطانه أسلم على يده.

السابقالتالي
2 3