الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } * { إِذْ جَآءَتْهُمُ ٱلرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ } * { فَأَمَّا عَادٌ فَٱسْتَكْبَرُواْ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِيۤ أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ ٱلْخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَخْزَىٰ وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ } * { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ ٱلْعَذَابِ ٱلْهُونِ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } * { وَنَجَّيْنَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يتَّقُونَ }

قلت: { وأما ثمود } ، قراءة الجماعة بالرفع، غير مصروف، إرادة القبيلة، وقراءة الأعمش ويحيى بن وثاب مصروفاً، إرادة الحي، وقراءة ابن أبي إسحاق: بالنصب، من باب الاشتغال، وأصل الكلام: مهما يكن من شيء فثمود هديناهم، فحُذف الملزوم الذي هو الشرط، وأُقيم مقامه لازمه، وهو الجزاء، وأبقيت الفاء المؤذنه بأن ما بعدها لازم لما قبلها، وإلا فليس هذا موضع الفاء لأن موضعه صدر الجزاء. انظر المُطوّل. يقول الحق جلّ جلاله: { فإِن أعرضُوا } عن الإيمان بعد هذا البيان { فقلْ } لهم: { أنذرتُكمْ } خوَّفتكم. وعبّر بالماضي للدلالة على تحقُّق الإنذار المنبىء عن تحقُّق الوقوع، { صاعقةً } أي: عذاباً شديداً لو وقع كان كأنه صاعقة، وأصلها: رعد معه نار تحرق. تكون { مثلَ صاعقةِ عادٍ وثمودَ } وقد تقدّم عذابهما. { إِذ جاءتْهُمُ }: ظرف لمحذوف، أي: أنزلناها بهم حين جاءتهم { الرسلُ من بين أيديهم ومن خلفِهِم } أي: أتوهم من كل جانب، وعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا الإعراض، أو: جاءتهم الرسل قبلهم لآبائهم، وبعدَهم لِمَن خلفهم، أي: تواردت عليهم الرسل قديماً وحديثاً، والمعهود إنما هو هود وصالح ـ عليهما السلام ـ وعن الحسن: أنذروهم من وقائع الله بمَنْ قبلهم من الأمم وعذاب الآخرة، { ألاَّ تعبدوا إِلا اللهَ } أي: بأن لا تعبدوا إلا الله، على أنها مصدرية، أو: لا تعبدوا، على أنها مفسرة، وقيل: مخففة، أي: أنه لا تعبدوا إلا الله. { قالوا لو شاء ربُّنا لأنزل ملائكةً } أي: لو شاء إرسال الرسل لأرسل ملائكة، ولَمَّا كان إرسالهم بطريق الإنزال عبَّر به، { فإِنا بما أُرسلتُم به كافرون } أي: فحيث كنتم بشراً مثلنا، ولم تكونوا ملائكة، ولم يكن لكم فضل علينا، فإنا لا نؤمن بكم، ولا بما جئتم به، وقولهم: { أُرسلتم به } ليس بإقرار بالإرسال، وإنما هو على كلام الرسل، وفيه تهكُّم، كما قاله فرعون:إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِى أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ } [الشعراء: 27] وقولهم: { بما أرسلتم به كافرون } خطاب منهم لهود وصالح ولسائر الأنبياء، الذين دعوا للإيمان. رُوي أن أبا جهل قال في ملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمد، فلو التمستم لنا رجلاً عالماً بالشعر والكهانة، فكَلَّمه، ثم أتانا بالبيان من أمره، فقال عُتبة بن ربيعة: والله لقد سمعتُ الشعر والكهانة والسحر، وعلمتُ من ذلك علماً ما يخفى عليَّ، فأتاه، فقال: أنت يا محمد خير أم هاشم؟ أنت يا محمد خير أم عبد المطلب؟ أنت خير أم عبد الله؟ فبمَ تشتم آلهتنا وتضللنا؟ فإن كنت تريد الرياسة عقدنا لك اللواء، فكنت رئيسنا ما بقيت، وإن كان بك الباءة زوجناك عشر نسوةٍ من أيّ بنات قريش شئتَ، وإن كان بك المال، جمعنا لك ما تستغني به أنت وعقبك.

السابقالتالي
2 3