الرئيسية - التفاسير


* تفسير البحر المديد في تفسير القرآن المجيد/ ابن عجيبة (ت 1224 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱللَّهُ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَنْعَامَ لِتَرْكَـبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ } * { وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَـبْلُغُواْ عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى ٱلْفُلْكِ تُحْمَلُونَ } * { وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ ٱللَّهِ تُنكِرُونَ }

يقول الحق جلّ جلاله: { الله الذي جعل } خلق { لكم الأنعامَ } الإبل { لتركبوا منها ومنها تأكلون } أي: لتركبوا بعضها، وتأكلوا بعضها، وليس المراد: أن الركوب والأكل مختص ببعض معين منها، بحيث لا يجوز تعلُّقه بالآخر، بل على أن بعضاً منها صالح لكل منهما. { ولكم فيها منافعُ } أُخر غير الركوب، كألبانها وأوبارها وجلودها، { ولِتبلُغوا عليها حاجةً } أي: ما تحتاجون إليه من حمل أثقالكم من بلد إلى بلد، { في صُدورِكمْ } في قلوبكم، { وعليها وعلى الفلك تُحملون } أي: وعليها في البر، وعلى الفلك في البحر تُحملون، ولعل المراد به: حمل النساء والولدان عليها بالهودج، وهو السر في فصله عن الركوب. والجمع بينها وبين الفلك في الحمل لِمَا بينهما من المناسبة، حتى سُميت الإبل: سفائن البر. وقيل: المراد بالأنعام: الأزواج الثمانية، على أن المعنى: لتركبوا بعضها، وهي الإبل، وتأكلوا بعضها، وهي الغنم والبقر، فذكر ما هُوَ الأهم من كلٍّ، والمنافع تعم الكل، وبلوغ الحاجة تعم الإبل والبقر. وقال الثعلبي: التقدير: لتركبوا منها بعضاً، ومنها تأكلون، فحذف " بعضاً " للعلم به. { ويُريكم آياته } دلائله الدالة على قدرته ووفور رحمته، { فأيَّ آياتِ الله } أي: فأيّ آية من تلك الآيات الباهرة { تُنكرون }؟ فإن كُلاًّ منها من الظهور بحيث لا يكاد يجترىء على إنكارها، و " آيات " نصب بتنكرون، وتذكير " أيّ " مع تأنيث المضاف إليه، هو الشائع المستفيض، والتأنيث قليل لأن التفرقة بين المذكر والمؤنث في الأسماء غير الصفات، نحو: حمار وحمارة غريب، وهي في " أيّ " أغرب لإبهامه. الإشارة: ما أعظم قدرك أيها الإنسان إن اتقيت الله، وعرفت نعمه، فقد سلّطك على ما في الكون بأسره، الحيوانات تخدمك، وتنتفع بها، أكْلاً، وركوباً، وملبساً، وحملاً، والبحر يحملك، والأرض تُقلك، والسماء تُظلك، وما قنع لك بالدنيا حتى ادخر لك الآخرة، التي هي دار الدوام، فإن شكرت هذه النعم فأنت أعز ما في الوجود، وإن كفرتها فأنت أهون ما في الوجود. وبالله التوفيق. ولا تعرف حقائق النعم إلا بالتفكُّر، ولذلك أمر به إثر ذكرها، فقال: { أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرُواْ }.